الجزية، أو القتال، طبقها أبو موسى كأحسن ما يكون التطبيق قائدا.
وكانت الحروب القديمة بخاصة، بحاجة إلى قادة، يعلمون بعقولهم وسيوفهم، بعقولهم: لإعداد الخطط العسكرية، وتبليغها، وتنفيذها، وإدارة المعارك، ومفاوضة الأعداء قبل نشوب القتال للصلح، وفرض السلام بالحكمة والحسنى والمنطق، ويعملون بسيوفهم في المعركة: يبارزون الأبطال، ويصاولون الأعداء. والحق أن أبا موسى كان مثالا رائعا للقائد المتميز الذي يعمل بعقله وسيفه معا في آن واحد، العقل أولا، والسيف ثانيا وأخيرا، لذلك انتصر في كل معاركه التي خاضها، ولم ينكص له لواء واحد طيلة حياته العسكرية الطويلة، التي امتدت أكثر من عشرين سنة متواصلة.
وليس من الغريب أن يفتح أبو موسى تسع مناطق صلحا، ومنطقة واحدة عنوة، فهذا دليل قاطع على أنه كان يعمل بعقله أولا وقبل كل شيء، والسيف ثانيا وأخيرا، والقول أن ما عمله هو مجرد تطبيق عملي لتعاليم القتال في الإسلام حق لا ريب فيه، ولكن تطبيق هذه التعاليم بمثل هذا النجاح الباهر والنسبة العالية من الصلح لا يقدر عليه كل مسلم حق، ولا يقدر عليه إلا من تميز بالعقل الراجح والإيمان العميق، وهو ما تميز به أبو موسى في هذا المجال.
وعقليته المتميزة، جعلته سريع القرار سليمه، والسرعة في إصدار القرار ضرورية في القتال، لتطور أحوال المعركة بسرعة خاطفة في كثير من الأحيان مما يجعله قادرا على مواكبة المعركة في الوقت والمكان الجازمين.
وكان ذا إرادة قوية، إذا قرر فلا بد من أن يضع قراره في حيز التنفيذ فيصبح عملا ولا يبقى كلاما.
وكان ذا شخصية رصينة، فلا يصدر أمرا لا يمكن تنفيذه، بل يصدر أوامر قابلة للتنفيذ بسهولة ويسر، أو بصعوبة وعسر، على كل فهي أوامر يمكن تنفيذها وكفى، وشخصيته الرصينة كفيلة بحمل رجاله الذين صدرت الأوامر إليهم والمسؤولين عن تنفيذها، على وضعها في حيز التطبيق العملي