وكان يتحلى بمزايا الضبط المتين، ويؤمن بمبادئ السمع والطاعة، فلا مخالفة، ولا تردد في التنفيذ، ولا دعوة إلى فتنة ولا مشاركة فيها باللسان أو اليد أو السيف أو بها جميعا، ولا التشجيع عليها من قريب أو بعيد ولا بالتلميح أو التصريح. كما فرض على نفسه مختارا مبدأ السمع والطاعة للخليفة القائم، فكان دائما مع الخلفاء على أعدائهم، كذلك فرض على رجاله السمع والطاعة لقيادته، فلم نسمع عن مخالفة واحدة لأوامره قائدا وإداريا، مع أنه كان على البصرة والكوفة وعلى جيش البصرة وجيش الكوفة، والبصرة والكوفة لا ترضيان عن قائد ولا أمير، ولا يرضى عنهما قائد ولا أمير.
وكان يتحمل المسؤولية إلى الحدود التي لا مخالفة في تحملها لأوامر رؤسائه، إذا هو لا يطيق خلاف ذوي الأمر المسؤول أمامهم مباشرة كالخليفة أو قائده العام، فهو من هذه الناحية قائد متبع وليس قائدا مبتدعا. وإذا اقتضى الأمر مخالفة أوامر رئيسه المباشر، فهو يعرض الأمر للرئيس ويعرض له ظروفه ويبسط له عذره، ثم ينتظر جواب رئيسه ويعمل بما يأمره به نصا وروحا، بدون مخالفة ولا خلاف.
وكانت له نفسية لا تتبدل في حالتي الرخاء والشدة، فهو بخير في الحالتين، إذا أصابه الخير شكر، وإذا أصابه الشر صبر، ولا يبطره الرخاء، ولا تجزعه الشدة.
وكان يعرف نفسيات رجاله وقابلياتهم، فيكلف كل واحد منهم بما يتفق مع نفسيته ويناسب قابليته، ولا يحمله ما يكره أو ما لا يطيق.
وكان موضع ثقة رؤسائه من خلفاء وأمراء وقادة، لأنه كان مطيعا بعيدا عن خلق المشاكل، وكان يبادلهم الثقة بثقة مثلها، فيخلص في عمله وفي أداء واجبه فيرضيهم بالأعمال كما يرضيهم بالطاعة المطلقة. وكان موضع ثقة رجاله، لا يستطيعون إلا الإعجاب به والتقدير له، لأنه يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، ولا يفعل في الخفاء ما لا يفعله في العلن. كما