كان يثق برجاله كما يثقون به، والثقة المتبادلة من عوامل النصر، لأن التعاون بين القائد ورجاله يكون صادرا عن القلب، فيكون تعاونا وثيقا إلى أبعد الحدود.
وكان موضع حب رؤسائه ومرؤوسيه: موضع حب رؤسائه، لأنه مطيع وبعيد عن الفتنة، ويؤدي واجبه على أحسن ما يرام. وموضع حب مرؤوسيه لأنه لا يظلمهم، ولا يغمط حقوقهم، ويعرف لهم أقدارهم، ولا يحرم أحدهم منصبا ولا عطاء يستحقه، ولا يتأثر بالمحسوبية والمنسوبية والوساطات لتقديم من لا يستحق التقدم، فيحرم المستحق ويقدم غير المستحق، فهو دائما يصون حقوق رجاله ماديا ومعنويا، وبدوره يبادل رؤساءه ومرؤوسيه حبا بحب، ويحب لهم ما يحبه لنفسه.
وكانت له قابلية بدنية متميزة تعينه على تحمل المشاق العسكرية، فكان إذا مطرت السماء، قام فيها حتى تصيبه السماء، وكأنه يعجبه ذلك (١)، ولا يتستر من المطر خوف البلل. وكان متقشفا بطبعه في مأكله وملبسه ومسكنه، يكتفي منها بالنزز القليل الذي يسد الحاجة ويستر العورة، ولا يميل إلى الترف والمترفين، وكانت له طاقة نفسة عجيبة على مغالبة اليأس والقنوط والجزع، لهذا نراه قد قضى أكثر حياته مجاهدا، لأنه كان يعتبر الجهاد في سبيل الله من أعظم العبادات، لا يبالي في جهاده أن يكون قائدا عاما، أو قائدا مرؤوسا يضع نفسه بإمرة غيره من القادة، حتى القادة الذين ولاهم هو وبعث بهم إلى ساحات القتال، وهذا ما لا يقدر عليه إلا المجاهدون الصادقون الصابرون المحتسبون الصادقون.
وما شخصه أبو موسى، في الحكم والسياسة، ينطبق على ما يقوله رجال