القانون والسياسة في القرن الأخير نتيجة دراساتهم الجامعية وتجاربهم العلمية ونضوجهم الفكري، ولكن أبا موسى أرسل قولته تلك نتيجة عقليته المتزنة ورأيه السديد وحكمته وتجاربه في حياته العملية.
وهذه المزايا الفكرية والعقلية، جعلت قيادته تنجح بالصلح مع الأعداء في تسع مناطق، وتنجح بالقتال في منطقة واحدة، أي أن تسعين بالمائة من نجاحه قائدا كان بالصلح، وعشرة بالمائة فقط نجاحه قائدا بالقتال، وهذا حقق له أهدافه بخسائر قليلة جدا بالأرواح، ولو انعكس الأمر لتضاعفت خسائره لتحقيق تلك الأهداف.
وهذا هو فضل العقل المتزن والرأي السديد بالنسبة للقائد، فالخير لا يقتصر عليه، بل يشمل رجاله كافة، فلا يتكبدون خسائر فادحة دون مسوغ، إذ يحقق لهم قائدهم أهدافهم من القتال كاملة، ويحفظ لهم أرواحهم، فلا عجب أن يكون أبو موسى موضع ثقة رجاله ثقة بلا حدود.
وعند مقارنة أعماله العسكرية بمبادئ الحرب، نجد أنه:(يختار مقصده ويديمه) ولا يحيد عنه، فهو يعرف ما يريد، ويبذل جهده لتحقيقه، ولا يستطيع عدوه أن يجبره على تبديل رأيه بشكل أو بآخر. مثلا إذا قصد هدفه السوقي، فحاول عدوه افتعال معركة جانبية لصرفه عن هدفه السوقي إلى هدف تعبوي ولا قيمة للهدف التعبوي كما هو معروف، إلا أن أبا موسى لم يكن من أولئك القادة الذين يصرفون عن تحقيق مقصدهم بمثل تلك الأساليب، فكان يمضي قدما لتحقيق هدفه المختار، غير ملتفت إلى ألاعيب خصمه.
وكانت معارك أبي موسى كلها (تعرضية)، فلا نعرف له معركة واحدة دفاعية أو انسحابية، فهو قائد تعرضي، يقدر قيمة التعرض في رفع معنويات رجاله من جهة، وزعزعة معنويات أعدائه من جهة أخرى.
وكان في تعرضه، يحاول أن:(يباغت) عدوه إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد أفلح في تحقيق هذا المبدأ الحيوي في كثير من عملياته العسكرية، فأجبر عدوه على قبول الصلح أو الفرار من ميدان القتال،