تبدل الموقف من حال إلى حال. فقد كان يسبق النظر، ويحسب لكل ما يتوقع حسابه، ويدخل في خططه أسوأ الاحتمالات، فإذا وقعت كان مستعدا لها بالمعالجة المدروسة المستحضرة، وإذا لم تقع لم يخسر شيئا في استعداداته الرصينة.
وإذا كان أبو موسى يطبق كل هذه المبادئ القتالية، فهو بدون شك:(يديم المعنويات) إدامة مستمرة بالنصر، والمعنويات ترتكز على أساسين: الإيمان، والنصر، وقد تيسرا في أيام أبي موسى تيسرا عظيما، فلا عجب أن ترتفع المعنويات إلى عنان السماء.
وقد كان أبو موسى يديم معنويات رجاله، بشجاعته الشخصية النادرة، وقيادته الحكيمة المتزنة، ومواعظه الحسنة المستمرة، وبمثاله الشخصي لرجاله في الورع والتقوى، وبانتصاراته المتعاقبة الباهرة.
وكان يطبق مبدأ:(الأمور الإدارية)، فلا ينقص رجاله ما يأكلون ويلبسون ولا ما يتسلحون به ولا ما يحملون عليه، وتصل أعطياتهم إلى من يعولون، فلا يكون المجاهد في ميدان الجهاد، ويبقى قلقا على أهله وذويه في شيء. وبعد النصر كان يقسم بالسوية، فينال كل مجاهد ما يستحقه من الغنائم: للفارس حقه، وللراجل حقه، بموجب تعاليم الدين الحنيف.
لقد كان أبو موسى يطبق كل مبادئ القتال تطبيقا سليما.
وكان أبو موسى يتمتع بماض ناصع مجيد، فهو صحابي جليل، قديم الإسلام، ومن أصحاب الأيام، شجاع مقدام، قاض ومعلم، ومحدث وفقيه. والرجل الذي يقاتل تحت راية قائد له ماض ناصع مجيد، غير الرجل الذي يقاتل تحت راية قائد ليس له في سجل الباقيات الصالحات ذكر مستطاب أو ليس له أي ذكر على الإطلاق.
وكان بالإضافة إلى تلك المزايا، يساوي نفسه برجاله، بل كان يستأثر دونهم بالخطر ويؤثرهم بالأمن، ويؤثرهم على نفسه بالخير المادي، ويكتفي هو بالقليل القليل.