ولقد نكون أشد ميلا - من ناحية الوحي - إلى التفرقة بين نزول القرآن على قلب النبي وإلهامه النطق ببعض الأحاديث ثم نجنح - بسبب هذه التفرقة إلى استقلال القرآن وحده بظاهرة الوحي على النحو الذي أوضحناه في كتابنا مباحث علوم القرآن: إذ كان عليه السلام يفرق بوضوح بين الوحي الذي ينزل عليه وبين أحاديثه الخاصة التي كان يعبر عنها بإلهام من الله فمما يجول في نفسه من خواطر وأفكار كان ذا صفة إنسانية محضة لا يمكن أن يختلط بالكلام الرباني. وإنما السنة هي حكمة كما سميت في القرآن في قوله تعالى {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(١) فقد اختار معظم العلماء المحققين أن الحكمة في الآية هي شرح آخر غير القرآن، وهي مجموعة ما اطلع الله عليه رسوله من مقاصد الشرع وتعاليمه وأسراره التي لا يمكن أن تكون غير سنة الرسول القولية والفعلية.
ومنذ عامين اكتشفت جماعة تنكر السنة النبوية بزعامة الدكتور أحمد صبحي منصور أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وذلك من خلال كتاب له باسم (الأنبياء في القرآن الكريم)، الذي تضمن هجوما صارخا على السنة النبوية، وقد تبين أن المذكور له آراء مخالفة لأهل السنة منها أن المسلم العاصي مخلد في النار وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شفاعة له، وأنكر قصة المعراج وقال: إن القرآن لم يذكر إلا قصة الإسراء، واعتبر أحاديث المعراج باطلة، وأنكر حكم القتل على المرتد. وقال إن القرآن لم يشتمل على ذلك.