ولقد بذل صاحبه الفاضل جهدا عظيما ظاهرا في جميع عناصره، وضم شتاتها، وتكوين مباحثه، وترتيب مسائله، وتفصيل القول فيما تناوله وتعرض لبحثه: من حقائق تاريخية، ومباحث لغوية أو اصطلاحية، ومسائل فقهية أو أصولية أو غيرها من المسائل العلمية. وفي التعبير عن معلوماته الجمة بالعبارات العلمية الدقيقة، والصيغ الفنية السليمة، أو الإشارات الحسنة الطريفة. وفي شرح الخلاف في: جميع المسائل الخلافية، وتحرير محل الخلاف فيها، وتبيين سائر الأقوال المتعلقة بها، وتقرير أقوى أو أصح الأدلة التي استند أصحابها إليها، وتوجيه دلالتها، والتصريح بالمذاهب المختارة منها، مع تقويتها، وتفنيد أدلة غيرها وقد عنى عناية فائقة بتخريج شواهد الرسالة القرآنية والحديثية وما إليها، على كثرتها تخريجا في غاية السلامة، ونهاية الصحة. يشهد له بالكفاءة الممتازة، والقدرة على التتبع والإحاطة. كما عني بالتعريف بسائر الطوائف والفرق الإسلامية وغير الإسلامية الذين ورد لهم ذكر في الأمور التاريخية، أو المباحث الفقهية. وبالترجمة الصحيحة الصادقة لجميع الأعلام الذين استشهد بأقوالهم، أو ذكروا في بعض الأحاديث النبوية أو الآثار أو النصوص العلمية، وهم كثرة بالغة، وقد أتى في هذه التراجم بالأشياء المفيدة، وذيل كل ترجمة بأهم مراجعها الوثيقة.
ولقد ناقشت اللجنة صاحب هذه الرسالة، مناقشة معتدلة هادئة، بناءة مثمرة، موجهة مرشدة، تهدف إلى تصحيح الخطأ، أو تقويم زلل، أو تكميل نقص، أو سد خلل، أو كشف غامض، أو إزالة لبس، إن كان قد وقع فيها شيء من ذلك. كما تهدف إلى اختيار عقلية، والتأكد من صحة نظرية، أو ثبوت بعض الحقائق العلمية. وهذا هو الواجب في كل مناقشة مخلصة.
والكتاب يدل على إخلاص المؤلف للعلم، ونصحه للدين، ورغبته الصادقة في التجويد والتوثيق، كما يتميز بتصحيح العبارة واتقانها، وتأكيد المعلومات وتثبيتها.
كما يتبين - من تعقيب المؤلف على شيخ الإسلام ابن تيمية، ومناقشته للكثير من أقواله، ونقضه لبعض أدلته - أنه عاقل مفكر، وعالم منصف، وباحث مخلص وكاتب حر: يرجو الوصول إلى الحق، ولا يهمه مخالفته للغير، متى تبين له - في وضوح وجلاء - أن الحق قد جانبه، وأن الصواب في رأي غيره. والحق أحق أن يتبع، والصواب أولى أن يعتقد. فابن تيمية عظيم بلا شك، ولكن الحق أعظم منه، على حد قول القاضي عبد الجبار المعتزلي الشافعي، الذي كان يخالف بعض آراء إمامه الأصولية والفقهية، ويقول:" الشافعي عظيم، ولكن الحق أعظم منه ". وهكذا تكون الشجاعة الأدبية، والصراحة الإسلامية.