للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم: إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله (١)» ففي هذا الحديث النص على أنه لا يستغاث بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بمن دونه. كره - صلى الله عليه وسلم - أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حماية لجناب التوحيد، وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه، وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال، فإذا كان هذا فيما يقدر عليه - صلى الله عليه وسلم - في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته؟! ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، وإذا كان هذا في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بمن دونه؟ ‍! وأما الإجماع فالأمة مجمعة على أن الدعاء من خصائص الله جل وعلا وصرفه لغيره شرك.

ثانيا: سماع الأصوات من خواص الأحياء، فإذا مات الإنسان ذهب سمعه، فلا يدرك أصوات أهل الدنيا ولا يسمع حديثهم، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (٢) فأكد تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف بوجه الشبه وإذا فالموتى أدخل في عدم السماع، وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعموا عنها وقالوا: قلوبنا غلف، وفي هذا يقول تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (٣) وأما سماع قتلى الكفار الذين ألقوا في قليب يوم بدر نداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم، وقوله لهم: «هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا (٤)» وقوله لأصحابه: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم (٥)» حينما استنكروا نداءه أهل


(١) ورواه الإمام أحمد ج٥ ص٣١٧ وانظر فتح المجيد ص١٣٨.
(٢) سورة فاطر الآية ٢٢
(٣) سورة فاطر الآية ١٤
(٤) صحيح البخاري المغازي (٣٩٧٦)، صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٧٥)، سنن النسائي الجنائز (٢٠٧٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٤٥).
(٥) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٧٥)، سنن النسائي الجنائز (٢٠٧٥)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦٨١)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٠٤).