هل يجوز لنا أن نأمل أن أمريكا، بكل ما لها من سلطة وديناميكية، بكل ما فيها من خبرات كانت بالفعل أم بالقوة، ستدخل يوما ما في الإسلام وتصبح ركنا من أركان الإسلام؟ هل يجوز لنا أن نتطلع إلى اليوم الذي يدخل فيه الشعب الأمريكي بمئات ملايينه في الإسلام فتصبح أمريكا دولة إسلامية وأرضا تعلو فيها كلمة الله وشعبا يجاهد في سبيل الله، ويسير في خطى رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-؟.
نعم، بالتأكيد، هذه رؤيا ليست فقط مرغوبة بل هي ممكنة. بل ضرورية.
هذه الرؤيا ممكنة لأسباب ثلاثة:
أولا. إن المسيحية بفرعيها الكاثوليكي والبروتستنتي، تضمحل باستمرار منذ قرون. فنشأة العلمانية، والمادية، والعلوم الطبيعية والعقلانية، والحرية الشخصية، رافقها سقوط معاكس في المسيحية. ذلك أنها تؤمن بما يناقض هذه الحركات جميعا. فهي تؤمن بسلطة عرفية للكنيسة وبعلم لاهوت لا عقلاني، وباحتكار الحياة الدينية عن طريق القداس. وهي تتنكر للحياة والأرض بإيمانها بمملكة أخرى غير الأرض وخارج الزمان والمكان الذي نعرف، وهي المملكة التي تصبو إليها دون الدنيا. أما فصل المسيحية للروح عن المادة فقد أدى في العهد الحديث إلى ثورة العرب ضد الدين وانغماسه في طلب اللذة والسعادة المادية. وكذلك، أدى إصرار المسيحية الغالي على الخلاص الفردي والقيم الشخصية إلى حرية مبالغ فيها أصبحت فوضى وانعدامية. لهذه الأسباب، يرفض الإنسان الغربي أن يستمد وحيه من المسيحية. سواء فيما يتعلق بحياته الشخصية أو بحياته الاجتماعية، أو بحياة المجتمع ككل.
ثانيا. إن سعي الغرب للسيطرة على الطبيعة عن طريق العلوم أحرز أعظم المكاسب وحقق أبعد الأهداف. فقد أخذت هذه العلوم الإنسان إلى القمر، واستكشف ما وراء ذلك، وأشفت معظم الأمراض واستعمرت الأرض مستغلة قوى الطبيعة ومسخرة إياها لخدمة الإنسان. إلا أن جميع هذه المنجزات حصلت استنادا على التفريق والفصل النهائي بين " ما يكون " و " ما يجب أن يكون "، بين الظاهرة أو الواقعة من جهة، والقيمة من جهة أخرى. وهذا الفصل هو الذي حرر السعي العلمي من جميع القيود ولكنه أفلت منه زماما شيطانيا جديدا. وبالتالي، فسد المسعى وتحولت النعمة إلى نقمة، وتملك الإغلال الخلقي من كل سعي مادي.
فاليوم، الرجل الغربي ثائر ضد تغلبه على الطبيعة وقواها. وهو مثقل بشعوره بالإثم، لا يعرف أين يتجه؟ يوشك أن يستسلم لقدر لا يقوى على فهمه، ويعرف أنه لا شر يكن له إلا المآسي.