للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعاد، والنبوات، والأخلاق والسياسات والعبادات، وسائر ما فيه كمال النفوس وصلاحها وسعادتها ونجاتها، لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات، ومن أهل الرأي كالمتفلسفة وغيرهم إلا بعض ما جاء به القرآن. . .؛ ولهذا لم تحتج الأمة مع رسولها وكتابها إلى نبي آخر وكتاب آخر فضلا عن أن تحتاج إلى شيء لا يستقل بنفسه غيره (١).

نعم إن القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام هو منبع الخير كله، ومطلع الهداية التي أشرق نورها على قلوب الناس، فبدد منها الظلمات وأستأصل منها الضلالات، فمن تمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى، التي لا انفصام لها، فهو كلام الله رب العالمين. {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (٢).

فما أحوج من لم يحكم بما أنزل الله اليوم إلى عودة حميدة إلى القرآن من جديد وبناء هيكل حياته على أسس أصيلة متينة من تعاليمه، سواء ما يتصل منها بالعقيدة أو العبادات أو الأخلاق أو المعاملات أو السياسة والاقتصاد، أو الأدب أو الثقافة، أو الاجتماع، فالقرآن الذي أنزله الله؛ ليسطع على العالم ما بقي الدهر، وليقود الإنسانية إلى الرشد، لا يضيق بأي شيء من أطوار الزمن، ولا بأية مشكلة تفرزها الحياة، وصدق الله العظيم إذ يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٣) الآية.

وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (٤).

فهذه الآية خوطب بها جميع العالم؛ لبيان أن القرآن الكريم من عند الله، وأنه موعظة للعالمين، وشفاء للمؤمنين، وأنه اشتمل على ما لهم، وما عليهم


(١) انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج ١٧/ ٤٤، ٤٥.
(٢) سورة فصلت الآية ٤٢
(٣) سورة الأنعام الآية ٣٨
(٤) سورة يونس الآية ٥٧