الأول: إن العام بعد تخصيصه خاص، لأن مدلوله وقتئذ بعض أفراده مع أن لفظه موضوع للكل والقرينة هي المخصص، وكل ما كان كذلك فهو خاص. أما النص المنسوخ فما زال كما كان مستعملا فيما وضع له، غايته أن الناسخ دل على أن إرادة الله تعلقت أزلا باستمرار هذا الحكم إلى وقت معين، وإن كان النص المنسوخ متناولا جميع الأزمان، ويظهر ذلك جليا فيما إذا قال الشارع مثلا: افعلوا كذا أبدا، ثم نسخه بعد زمن قصير، فإنه لا يعقل أن يكون مدلوله ذلك الزمن القصير دون غيره، بل هو ما زال كما كان مستعملا في جميع الأزمان نصا بديل قوله (أبدا) غير أن العمل بهذا النص الشامل لجميع الأزمان لفظا قد أبطله الناسخ؛ لأن استمرار العمل بالنص مشروط بعدم ورود ناسخ ينسخه أيا كان ذلك النص وأيا كان ناسخه. فإن سأل سائل ما حكمة تأبيد النص لفظا بينما هو مؤقت في علم الله أزلا؟ أجبناه بأن حكمته ابتلاء الله لعباده أيخضعون لحكمه مع تأبيده عليهم هذا التأبيد الظاهري أم لا؟ فإذا ماز الله الخبيث من الطيب والمطمئن لحكمه من المتمرد عليه، جاء النسخ لحكمة أخرى من التخفيف ونحوه.
الثاني: إن حكم ما خرج بالتخصيص لم يك مرادا من العام أصلا، بخلاف ما خرج بالنسخ، فإنه كان مرادا من المنسوخ لفظا.
الثالث: إن التخصيص لا يتأتى أن يأتي على الأمر لمأمور واحد، ولا على النهي لمنهي واحد، أما النسخ فيمكن أن يعرض لهذا كما يعرض لغيره، ومن ذلك نسخ بعض الأحكام الخاصة به صلى الله عليه وسلم.
الرابع: إن النسخ يبطل حجية المنسوخ، إذا كان رافعا للحكم بالنسبة إلى جميع أفراد العام، ويبقى على شيء من حجيته إذا كان رافعا للحكم عن بعض أفراد العام دون بعض، أما التخصيص فلا يبطل حجية العام أبدا، بل العمل به قائم فيما بقي من أفراده بعد تخصيصه.
الخامس: إن النسخ لا يكون إلا بالكتاب والسنة بخلاف التخصيص، فإنه يكون بهما وبغيرهما كدليل الحس والعقل فقول الله سبحانه: