للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك وقرروا إمكان وقوع النسخ في شريعة الإسلام، وكذلك في الشرائع السابقة، وقاموا بتفنيد شبه المنكرين للنسخ والرد عليها وإبطالها.

فقد استدلوا على جواز وقوع النسخ في القرآن بقوله تعالى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (١) قال ابن عباس وغيره: معناه يمحو ما يشاء من أحكام كتابه، فينسخه ببدل أو بغير بدل، ويثبت ما يشاء فلا يمحوه ولا ينسخه، ثم قال: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (٢) قال ابن عباس: معناه عنده ما ينسخ ويبدل من الآية والأحكام، وعنده ما لا ينسخ ولا يبدل، كل في أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ، ومثل هذا المعنى قال قتادة وابن زيد وابن جريج وغيرهم في هذه الآية، وقد قيل غير ذلك. فهذا يدل على جواز النسخ بنص القرآن (٣).

وقد اعترض مكي بن أبي طالب على استدلال جماعة على جواز النسخ في القرآن بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} (٤) قائلا: إن هذا إنما يدل على جواز النسخ فيما يزيد الشيطان في تلاوة النبي أو الرسول من الباطل، خاصة وليس يدل علي جواز النسخ فيما ينزله الله ويأمر به، فلا حجة فيه لمن استدل به على جواز نسخ ما هو من عند الله من الحق (٥).

ومضى مكي يستعرض الأدلة القرآنية على جواز النسخ في القرآن فقال:

(ويدل على جواز النسخ للقرآن أيضا قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (٦) (١٠١) النحل فهذا نص ظاهر في جواز زوال حكم آية ووضع أخرى موضعها. إلى أن قال:


(١) سورة الرعد الآية ٣٩
(٢) سورة الرعد الآية ٣٩
(٣) الإيضاح ص ٦٠.
(٤) سورة الحج الآية ٥٢
(٥) الإيضاح ص ٦١.
(٦) سورة النحل الآية ١٠١