للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويدل على جواز النسخ للقرآن أيضا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (١) (١٠٦) البقرة. فهذا نص ظاهر في جواز النسخ للقرآن بالقرآن. إلى أن قال: ويدل على جواز النسخ أيضا قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٢) (٤٨) المائدة. فمعلوم أن شريعة كل رسول نسخت شريعة من كان قبله.

ورد مكي كذلك استدلال من استدل بقوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (٣) (٨٦) الإسراء على جواز النسخ بقوله: فهذا إنما يراد به إذهاب ما لا يجوز نسخه من الأخبار وغيرها. وما لا يجوز نسخه لو شاء الله لأذهب حفظه كله من القلوب بغير عوض (٤) وما تقدم واقع في دائرة الاستدلال القرآني بيد أن هناك استدلالات عقلية أوردها المثبتون للنسخ القائلون بجوازه وقد أجملها صاحب (مناهل العرفان) في الأدلة الأربعة التالية:

أولا: إن النسخ لا محظور فيه عقلا وكل ما كان كذلك جائز عقلا. أما الكبرى فمسلمة وأما الصغرى فيختلف دليلها عند أهل السنة عن دليلها عند المعتزلة تبعا لاختلاف الفرقتين في أن أحكام الله تعالى يجب أن تتبع المصلحة لعباده أو لا يجب أن تتبعها، فأهل السنة يقولون: إنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وله بناء على اختياره ومشيئته وكبريائه وعظمته أن يأمر عباده بما شاء وينهاهم عما شاء، وأن يبقي من أحكامه على ما شاء وأن ينسخ منها ما شاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده، ولكن ليس معنى هذا أنه عابث أو مستبد أو ظالم، بل إن أحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة وعلم واسع وتنزه عن البغي والظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (٥) (٤٦ فصلت). {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (٦) (٤٩) الكهف.


(١) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٢) سورة المائدة الآية ٤٨
(٣) سورة الإسراء الآية ٨٦
(٤) الإيضاح ص ٦٢ - ٦٤.
(٥) سورة فصلت الآية ٤٦
(٦) سورة الكهف الآية ٤٩