للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنسوخ مؤقت لا مؤبد، ولكنه علم بجانب ذلك أن توقيته إنما هو بورود الناسخ، لا بشيء آخر كالتقييد بغاية في دليل الحكم الأول، وإذن فعلمه بانتهائه بالناسخ لا يمنع النسخ بل يوجبه. وورود الناسخ محقق لما في علمه لا مخالف له شأنه تعالى في الأسباب ومسبباتها، وقد تعلق علمه بها كلها مع ملاحظة أن النسخ بيان بالنسبة إلى الله تعالى ورفع بالنسبة إلينا (١).

٣ - والشبهة الثالثة التي يثيرونها هي قولهم لو جاز النسخ للزم أحد باطلين وما هو في معناه.

وبيان ذلك أن الحكم المنسوخ إما أن يكون دليله قد غياه بغاية ينتهي عندها أو يكون قد أبد نصا، فإن كان قد غياه بغاية، فإنه ينتهي بمجرد وجود هذه الغاية، وإذن لا سبيل إلى إنهائه بالنسخ وإلا لزم تحصيل الحاصل. وإن كان دليل الحكم الأول قد نص على تأبيده، ثم جاء الناسخ على رغم هذا التأبيد لزم المحال من وجوه ثلاثة:

أ- التناقض؛ لأن التأبيد يقتضي بقاء الحكم ولا ريب أن النسخ ينافيه.

ب- تعذر إفادة التأبيد من الله للناس؛ لأن كل نص يمكن أن يفيده تبطل إفادته باحتمال نسخه، وذلك يفضي إلى القول بعجز الله وعيه عن بيان التأبيد لعباده فيما أبده لهم تعالى الله عن ذلك.

ج- استلزام ذلك لجواز نسخ الشريعة الإسلامية مع أنها باقية إلى يوم القيامة عند القائلين بالنسخ ويمكن دفع هذه الشبهة بما يلي:

أولا: بأن حصر الحكم المنسوخ في هذين الوجهين اللذين ذكرهما المانع غير صحيح؛ لأن الحكم المنسوخ يجوز ألا يكون مؤقتا ولا مؤبدا، بل يجيء مطلقا عن التوقيت والتأبيد كليهما، وعليه فلا يستلزم طروء النسخ عليه شيئا من المحالات التي ذكروها، وإطلاق هذا الحكم كاف في صحة نسخه؛ لأنه يدل على الاستمرار بحسب الظاهر وإن لم يعرض له النص.


(١) مناهل العرفان ج٢ ص١٩٩.