للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو تخصيصا بالزمان مثلا، وإلى ذلك ذهب بعض المحققين. قال التاج السبكي: (إن أبا مسلم لا ينكر وقوع المعنى الذي نسميه نحن نسخا، ولكنه يتحاشى أن يسميه باسمه، ويسميه تخصيصا) اهـ.

وقد احتج أبو مسلم بقوله سبحانه: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (١) وشبهته في الاستدلال أن هذه الآية تفيد أن أحكام القرآن لا تبطل أبدا، والنسخ فيه إبطال لحكم سابق. وندفع مذهب أبي مسلم وشبهته بأمور أربعة. . .

أولها: أنه لو كان معنى الباطل في الآية هو متروك العمل به مع بقاء قرآنيته، لكان دليله قاصرا عن مدعاه؛ لأن الآية لا تفيد حينئذ إلا امتناع نوع خاص من النسخ، وهو نسخ الحكم دون التلاوة، فإنه وحده هو الذي يترتب عليه وجود متروك العمل في القرآن، أما نسخ التلاوة مع الحكم، أو مع بقائه، فلا تدل الآية على امتناعه بهذا التأويل.

ثانيها: إن معنى الباطل في الآية ما خالف الحق، والنسخ حق، ومعنى الآية أن عقائد القرآن موافقة للعقل، وأحكامه مسايرة للحكمة، وأخباره مطابقة للواقع، وألفاظه محفوظة من التغيير والتبديل، ولا يمكن أن يتطرق إلى ساحته الخطأ بأي حال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٢) {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} (٣) وتفسير الآية بهذا المعنى يجعلها أقرب إلى إثبات النسخ ووقوعه منها إلى نفيه وامتناعه؛ لأن النسخ كما تقرر تصرف إلهي حكيم تقتضيه الحكمة وترتبط به المصلحة.


(١) سورة فصلت الآية ٤٢
(٢) سورة الحجر الآية ٩
(٣) سورة الإسراء الآية ١٠٥