للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في العمل وأعظم في الأجر فهذا قول صحيح معروف وقد قيل: إن معناها: ما نرفع من حكم آية وتلاوتها نأت بخير منها أي أصلح لكم منها: وقال ابن زيد: إنساؤها محوها وتركها (١).

فأما قراءة من قرأ (أو ننساها) بالألف والنون فمعناه نؤخرها ويقال نسأت إذا أخرت ومنه قوله تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (٢) وإنما أراد به تأخيرهم الوقوف بعرفة عن ذي الحجة في كل عام بعشرة أيام ليقع حجهم أبدا في الربيع ويقال: أنسأت الشيء أنسأ، والنسيء اسم وضع موضع المصدر، ونسأ الله في أجله، وأنسأ الله أجله، أي أخره، وفي الحديث «من أحب أن ينسأ الله في أجله فليصل رحمه (٣)» والنسأ التأخير وفي حديث عمر (ارموا فإن الرمي عدة، فإذا رميتم فانتسئوا عن البيوت) أي تأخروا عن البيوت. والمنسأة العصا لأنه يوخز بها الدابة يقال: نسأت الدابة إذا ضربتها بالمنسأة. قلت: ومنه قوله تعالى في عصا سليمان عليه السلام {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} (٤) ونسأت اللبن إذا جعلت فيه الماء ليكثر وهو النسوء وامرأة نسوء إذا كان مظنونا بها الحمل ونسوة نساء وإنما قيل لها نسوء؛ لأن الحمل زيادة فيها وإنما قيل نسأت اللبن؛ لأن الماء زيادة فيه.

والتأخير زيادة في أجل الشيء ومدته فقوله (ننسأها) معناها نؤخرها كما بينا ومن قرأ {نُنْسِهَا} (٥) بضم النون وكسر السين فمعناه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن عباس رضي الله عنهما (كان القرآن ينزل فيثبت الله منه ما يشاء وينسخ منه ما يشاء وعنده أم الكتاب).

ومن قرأ (أو تنساها) بالتاء أو قرأ (أو ننسك) أراد به نسيان النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النسيان جائز عليه في صفته وغير جائز في صفة الله تعالى، ومن قرأها بياء مهموزة بدل الألف أراد به التأخير أيضا لأنه قرأها بالإمالة (٦).


(١) الإيضاح ص٦٢.
(٢) سورة التوبة الآية ٣٧
(٣) صحيح البخاري البيوع (٢٠٦٧)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٥٧)، سنن أبو داود الزكاة (١٦٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٤٧).
(٤) سورة سبأ الآية ١٤
(٥) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٦) الناسخ والمنسوخ ص ٦١ - ٦٢.