للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشروع إلى حكم آخر أو إلى إسقاطه وكان اليهود ينكرون النسخ ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر وهوى محض، فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ فقال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (١) أي ننسها العباد فنزيلها من قلوبهم، نأت بخير منها وأنفع لكم {أَوْ مِثْلِهَا} (٢) فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة التي سهل عليها دينها غاية التسهيل، وأخبر أن من قدح في النسخ قدح في ملكه وقدرته، فقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٣) {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٤) فإذا كان مالكا لكم متصرفا فيكم تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه، فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير، كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام، فالعبد مدبر مسخر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية فما له والاعتراض، وهو أيضا ولي عباده فيتولاهم في تحصيل منافعهم وينصرهم في دفع مضارهم، فمن ولايته لهم أن يشرع لهم من الأحكام ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم. ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده وإيصالهم إلى مصالحهم من حيث لا يشعرون بلطفه (٥) اهـ.

٢ - والآية الثانية التي سنذكر ما قاله بعض المفسرين في تفسيرها مما استدلوا به على جواز وقوع النسخ هي قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٦) الآية.

وشاهدنا منها قوله عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٧) قال ابن


(١) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٢) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٣) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٤) سورة البقرة الآية ١٠٧
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ج١ ص٥٨.
(٦) سورة المائدة الآية ٤٨
(٧) سورة المائدة الآية ٤٨