للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبار الجنة والنار والحساب والعقاب والبعث والحشر وخلق السماوات والأرضين وتخليد الكفار في النار والمؤمنين في الجنة هذا كله وشبهه من الأخبار لا يجوز نسخه؛ لأنه يتعالى أن يخبر عن الشيء على غير ما هو به. وكذلك ما أعلمنا به من صفاته لا يجوز في ذلك كله أن ينسخ ببدل منه فأما جواز أن ينسخ ذلك كله بإزالة حفظه من الصدور -ونعوذ بالله من ذلك- فذلك جائز في قدرته تعالى يفعل ما يشاء (١) وقال الزرقاني في مناهل العرفان: إن تعريف النسخ بأنه (رفع حكم شرعي بدليل شرعي) يفيد في وضوح أن النسخ لا يكون إلا في الأحكام وذلك موضع اتفاق بين القائلين بالنسخ لكن في خصوص ما كان من فروع العبادات والمعاملات أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات. . . ومدلولات الأخبار المحضة فلا نسخ فيها على الرأي السديد الذي عليه جمهور العلماء.

أما العقائد فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغير والتبديل فبدهي ألا يتعلق بها نسخ، وأما أمهات الأخلاق فلأن حكمة الله في شرعها ومصلحة الناس في التخلق بها أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير. وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح حاجة الخلق إليها باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق والخلق على أساسهما فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة في رفعها بالنسخ.

وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبرية الناسخ أو المنسوخ وهو محال عقلا ونقلا. أما عقلا فلأن الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال. وأما نقلا فلمثل قوله سبحانه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (٢). {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (٣).


(١) الإيضاح ص٦٥، ٦٦.
(٢) سورة النساء الآية ١٢٢
(٣) سورة النساء الآية ٨٧