للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم إن نسخ لفظ الخبر دون مدلوله جائز بإجماع من قالوا بالنسخ ولذلك صورتان: إحداهما: أن تنزل الآية مخبرة عن شيء ثم تنسخ تلاوتها فقط.

والأخرى: إن يأمرنا الشارع بالتحدث عن شيء ثم ينهانا أن نتحدث به.

وأما الخبر الذي ليس محضا بأن كان في معنى الإنشاء ودل على أمر ونهي متصلين بأحكام فرعية عملية فلا نزاع في جواز نسخه والنسخ به؛ لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ، مثال الخبر بمعنى الأمر {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} (١) فإن معناه ازرعوا. ومثال الخبر بمعنى النهي قوله سبحانه: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (٢) فإن معناه لا تنكحوا مشركة ولا زانية (بفتح التاء) ولا تنكحوا زانيا ولا مشركا (بضم التاء) لكن على بعض وجوه الاحتمالات دون بعض والفرق بين أصول العبادات والمعاملات وبين فروعها أن فروعها هي ما تتعلق بالهيئات والأشكال والأمكنة والأزمنة والعدد أو هي كمياتها وكيفياتها وأما أصولها فهي ذوات العبادات والمعاملات بقطع النظر عن الكم والكيف.

واعلم أن ما قررناه هنا من قصر النسخ على ما كان من قبيل الأحكام الفرعية العلمية دون سواها هو الرأي السائد الذي ترتاح إليه النفس ويؤيده الدليل وقد نازع في ذلك قوم لا وجه لهم فلنضرب عن كلامهم صفحا.

ويتصل بما ذكرنا أن الأديان الإلهية لا تناسخ بينها فيما بيناه من الأمور التي لا يتناولها النسخ بل هي متحدة في العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات وفي صدق الأخبار المحضة فيها صدقا لا يقبل النسخ


(١) سورة يوسف الآية ٤٧
(٢) سورة النور الآية ٣