وقال الزركشي في البرهان حين كر القسم الأول:(فيعمل به إذا تلقته الأمة بالقبول) فجعل شرط العمل به أن يكون مجمعا عليه. ثم قال بعد أن أورد خبر عمر رضي الله عنه الذي ذكر أن البخاري رواه في صحيحه معلقا:(وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي بن كعب: كانت سورة الأحزاب توازي سورة النور فكان فيها (الشيخ والشيخة). . . إلخ. إلى أن قال: وذكر الإمام المحدث أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي في كتابه (الناسخ والمنسوخ) مما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر قال: ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى أبي بن كعب وأنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقرأه إياهما وتسمى سورتي الخلع والحفد. . .) اهـ.
ثم افترض سؤالا هو: ما الحكمة في رفعه التلاوة مع بقاء الحكم وهلا أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟ وذكر أن أبا الفرج بن الجوزي قد أجاب على هذا السؤال المفترض في كتابه (فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن) بقوله: إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام والمنام أدنى طرق الوحي.
وقد ذكر الزركشي أن النوع الثاني من الأنواع الثلاثة ورد في ثلاث وستين سورة (١) ثم عاد إلى الأسئلة الافتراضية فقال بعد إيراده بعض الأمثلة على نسخ الحكم وبقاء التلاوة والجواب من وجهين:
أحدهما: إن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة.