للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثانيهما: إن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا بالنعمة ورفع المشقة وأما حكمة النسخ قبل العمل كالصدقة عند النجوى فيثاب على الإيمان به وعلى نية طاعة الأمر. وعند كلامه على نسخ الحكم والتلاوة معا قال رحمه الله تعليقا على قول عائشة رضي الله عنها في حديث الرضعات: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن حسب رواية مسلم رحمه الله وقد تكلموا في قولها (وهي مما يقرأ) فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك. فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة. والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها.

وقال أبو موسى الأشعري: نزلت ثم رفعت (١) اهـ وعلق على خبر عائشة أيضا مكي بن أبي طالب بقوله: (فهذا قول عائشة غريب في الناسخ والمنسوخ، والناسخ غير متلو والمنسوخ غير متلو وحكم الناسخ قائم) (٢).

وهذه الأنواع الثلاثة التي ذكرناها إنما هي للنسخ في القرآن الكريم من حيث هو بيد أن مكي بن أبي طالب رحمه الله تعالى قد ذكر في (الإيضاح) (٣) تقسيما آخر للنسخ باعتبار المنسوخ فأثبت ستة أقسام للمنسوخ من القرآن فيما يلي بيانها:

الأول: ما رفع جل ذكره رسمه من كتابه بغير بدل منه وبقي حفظه في الصدور ومنه الإجماع على ما في المصحف من تلاوته على أنه قرآن وبقي حكمه مجمعا عليه نحو آية الرجم التي تقدم ذكرها.

الثاني: ما رفع الله حكمه من الآي بحكم آية أخرى وكلاهما ثابت في المصحف المجمع عليه متلو وهذا هو الأكثر في المنسوخ ولا يكون في الأخبار


(١) البرهان ج٢ ص٣٩.
(٢) الإيضاح ص ٥٠.
(٣) الإيضاح ص ٦٧ - ٧٠.