للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما عقد بابين في كتابه المذكور أحدهما لذكر الآيات المنسوخة بآية السيف وهي قوله تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} (١) فعد في هذا مائة وثلاثا وعشرين آية لا تصح دعوى النسخ في واحدة منها.

قال الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير: وأكثر المفسرين يقولون إن كل ما في القرآن من قوله فأعرض منسوخ بآية القتال. وهو باطل؛ لأن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال فكيف ينسخ بها؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأول كان مأمورا بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فلما عارضوه بأباطيلهم أمر بإزالة شبههم والجواب عنها فقيل له {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٢) ثم لما لم ينفع ذلك فيهم قيل له أعرض عنهم ولا تقابلهم بالدليل والبرهان فإنهم لا ينتفعون به وقاتلهم. والإعراض عن المناظرة شرط لجواز المقاتلة فكيف يكون منسوخا بها. والباب الثاني الذي عقده ابن خزيمة في كتابه هو باب ما نسخ من القرآن بآية القتال وذكر فيه تسع آيات لا تصح دعوى النسخ في أي منها كذلك (٣).

ولعل من المناسب بعد أن ذكرنا بعض الأمثلة لما توهم أنه نسخ وليس بنسخ أن نشير بإيجاز إلى أبرز أسباب توهم النسخ فيما توهموه فيه فنقول:

أولا: اشتباه التخصيص بالنسخ عليهم وقد تقدم مثاله.

ثانيا: ظنهم أن ما شرع لسبب ثم زال لزوال سببه من المنسوخ فعدوا الآيات التي وردت في الحث والصبر وتحمل أذى الكفار أيام ضعف المسلمين منسوخة بآيات القتال وليس الأمر كذلك تحقيقا.


(١) سورة التوبة الآية ٥
(٢) سورة النحل الآية ١٢٥
(٣) دراسات في الإحكام والنسخ ص١٩٠ - ١٩٤ بتصرف.