للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي هذا الطلاق المذكور (مرتان) وإذا قيل: سبح مرتين أو ثلاث مرات: لم يجزه أن يقول سبحان الله مرتين، بل لا بد أن ينطق بالتسبيح مرة بعد مرة، فكذلك لا يقال: طلق مرتين إلا إذا طلق مرة بعد مرة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا، أو مرتين لم يجز أن يقال: طلق ثلاث مرات ولا مرتين، وإن جاز أن يقال طلق ثلاث تطليقات أو طلقتين، ثم قال سبحانه بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (١) فهذه الطلقة الثالثة لم يشرعها الله إلا بعد الطلاق الرجعي مرتين.

وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٢). الآية، وهذا إنما يكون فيما دون الثلاث، وهو يعم كل طلاق، فعلم أن جمع الثلاث ليس بمشروع، ودلائل تحريم الثلاث كثيرة قوية من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار، كما هو مبسوط في موضعه، وسبب ذلك أن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن - النبي صلى الله عليه وسلم -: «إن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت أنت، ويلتزمه (٣)» وقد قال تعالى في ذم السحر: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (٤) وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات (٥)» وفي السنن أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة (٦)».

ولهذا لم يبح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيرها، وإذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باق على الحظر. اهـ.

وقال ابن القيم (٧) فصل في حكمه - صلى الله عليه وسلم - فيمن طلق ثلاثا بكلمة واحدة، قد تقدم حديث محمود بن لبيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام مغضبا ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم (٨)» وإسناده على شرط مسلم، قال ابن وهب: قد رواه مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد، فذكره، ومخرمة ثقة بلا شك، وقد احتج مسلم في صحيحه بحديثه عن أبيه.

والذين أعلوه، قالوا: لم يسمع منه، وإنما هو كتاب. قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٢
(٣) صحيح مسلم صفة القيامة والجنة والنار (٢٨١٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٥).
(٤) سورة البقرة الآية ١٠٢
(٥) سنن الترمذي الطلاق (١١٨٦).
(٦) سنن الترمذي الطلاق (١١٨٧)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٢٦)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٥٥).
(٧) زاد المعاد الجزء الرابع، ص١٠٠ وما بعدها.
(٨) سنن النسائي الطلاق (٣٤٠١).