للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين مع تعرضه لأمور كثيرة من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج، وحكم وأحكام، وأعذار وإنذار، وتبشير وتخويف، ووعد ووعيد، وأوصاف وتعليم، وأخلاق كريمة وشيم رفيعة، وسير مأثورة. فلو كان من عند البشر لوجدته مختلفا متفاوتا. ألا ترى أن كلام البليغ الكامل، والشاعر المبدع والخطيب المصقع يختلف على حسب اختلاف هذه الأمور، فمن الشعراء من يجود في المدح دون الهجو، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين. . بل إذا تأملت شعر الشاعر البليغ رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها والمواضيع التي يطرقها بخلاف القرآن الكريم فإنه على حد واحد في حسن النظم وبديع التأليف والرصف لا تفاوت فيه.

وأما روعة هذا القرآن وهيبته وقوة تأثيره فقد اعترف بها جماعة قبل الإسلام وبعده فمنهم من أسلم لها لأول وهلة وآمن به، ومنهم من كفر:

فعن جبير بن مطعم «أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: فلما بلغ الآية: إلى قوله. . . . قال كاد قلبي يطير (٥)»، وفي رواية: وذلك أول ما دخل الإيمان قلبي.

وعن عتبة بن ربيعة «أنه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلا عليه: حم فصلت. . إلى قوله: {صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (٦) فأمسك عتبة بيده على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف». وفي رواية: «فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمدا عليهما حتى انتهى إلى السجدة فسجد صلى الله عليه وسلم وقام عتبة لا يدري بما يراجعه ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم، وقال: لقد كلمني بكلام والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له».


(١) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن (٤٨٥٤)، صحيح مسلم الصلاة (٤٦٣)، سنن النسائي الافتتاح (٩٨٧)، سنن أبو داود الصلاة (٨١١)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (٨٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٨٣)، موطأ مالك النداء للصلاة (١٧٢)، سنن الدارمي الصلاة (١٢٩٥).
(٢) سورة الطور الآية ١ (١) {وَالطُّورِ}
(٣) سورة الطور الآية ٢ (٢) {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}
(٤) سورة الطور الآية ٣٥ (٣) {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}
(٥) سورة الطور الآية ٣٧ (٤) {الْمُسَيْطِرُونَ}
(٦) سورة فصلت الآية ١٣