والتناقض، واتهام القضاة، ونقض الأحكام ما دام القضاة متفاوتين في الأفكار والأفهام، وبعد النظر والقدرة على تطبيق الأحكام على القضايا والوقائع.
٦ - لا يصلح للتخلص من الآثار السيئة التي ترتبت على إلزام القضاة بما يدون لهم إعطاؤهم حق الرفع فيما يخالف فيه اعتقادهم ما دون إلى مرجعهم؛ فإن ذلك يدعو إلى التواكل وتدافع القضايا والتهرب من المسئولية وتعويق المعاملات، وتكدسها، وفتح باب الاحتيال للتخلص من بعض القضايا لأمر ما، ولا يعدم من أراد ذلك أن يجد في وجهة نظر المخالفين لما دون ما يسند رأيه لأن الرجحان أمر نسبي مختلف فيه ولكل قول وجهته.
٧ - الواقع يشهد بأن معرفة الخصوم لما يرجع إليه القاضي تفصيلا ليس بضروري، ولا شرط لقبول حكم القاضي ولا نفاذه، لا من جهة الشرع ولا من جهة القانون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يحكمون بين الناس في الخصومات، ولم يكن الفقه مدونا، وكثير من المتخاصمين لا يحفظ القرآن كله ولا كثيرا من السنة، وإنما يعرفون إجمالا أن القاضي سيحكم فيما يرفع إليه من القضايا مما فهمه من الكتاب والسنة. . كما أن الدول التي تحكم بقوانين وضعية لا يعرف السواد الأعظم فيها ما يرجع إليه القضاة من القوانين، ولذلك يقيمون المحامين ليرافعوا عنهم في قضاياهم، فلم يكن تدوين الأحكام على النهج المقترح ليوفق المتحاكمون أعمالهم معها ضروريا، ومع ذلك فالأحكام الشرعية مدونة ومن أرادها أمكنه الوصول إليها ومعرفتها، ومع معرفته لها فإنه لا يأمن أن يخالفه القاضي في فهمها وتطبيقها على قضيته، سواء في ذلك من يرجع في تحاكمه إلى الشرع ومن يرجع إلى القانون الوضعي، لأن الأحكام لو دونت لا يكون فيها ذكر جميع الجزيئات من القضايا وإنما يجتهد كل قاض في تطبيق النص على القضية التي ترفع إليه.