القانون الغربيين وأن يقنعهم بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأنه لا يعارض المصالح الواقعية، فقد عرض نظرية غريبة مفادها أن الإسلام لا يحرم ربا النسيئة في كل صوره، وإنما يحرم هذا الربا في مجال قروض الاستهلاك، أما مجال قروض الإنتاج والاستثمار فلا يحرم فيها ربا النسيئة ويجوز فيها تقاضي الفوائد عن القروض، ولحسن الحظ فقد كان طرح الشيخ محمد عبد الله دراز في تلك الندوة معاكسا تماما لطرح الدكتور الدواليبي، إذ أوضح أن الإسلام يحرم ربا النسيئة بمختلف صوره دون تفريق بين مجال قروض الاستهلاك والاستثمار، وأنه من المستحيل إثبات وجود مثل هذا التفريق، وكان حضور الشيخ دراز - رحمه الله - وطرحه توفيقا من الله، إذ لو استقر في أذهان أعضاء الندوة أن فكرة الدكتور الدواليبي تمثل حقا الفقه الإسلامي لانتهوا إلى عكس الهدف الذي توخاه الدكتور الدواليبي، إذ سوف يعتبرون الفقه الإسلامي يمكن أن يكون له مجال في عالم الأخلاق والمثل ولكن لا يمكن أن يكون له مجال في عالم الواقع والتشريع، إذ أن التمييز بين مجال القروض الاستهلاكية ومجال القروض الاستثمارية إن أمكن في بعض الصور فهو غير ممكن في غالب الصور، كما أوضح ذلك الدكتور السنهوري في تعليقه على هذه الفكرة في كتابه المشهور مصادر الحق، يوضح هذا أن التفريق بين قروض الاستثمار وقروض الاستهلاك يعتمد في أغلب الصور على محض النية الباطنة للمتعاملين والتي لا تتخذ بالضرورة مظهرا يمكن الحكم عليه، ومحض النية يصلح معيارا للنظام الأخلاقي ولكنه لا يصلح معيارا للنظام التشريعي إلا إذا تشكل في مظهر يمكن أن يكون محلا للحكم.
وعلى كل حال ومع أن الإنسان عندما يخترع فكرة فإنها عادة تسيطر عليه ولا يستطيع أن يتخلص من أسرها، إلا أنا مع ذلك لا نظن أن الدكتور الدواليبي يصر حتى الآن على فكرته - تلك - لا سيما بعد أن وضح له لا من قبل علماء الشرع بل من قبل علماء القانون أن فكرته تستند على أساس من الوهم لا من الحقيقة.