ما سبق يضع أمامنا صورة لأعظم أزمة فكرية للمثقف المسلم قبل ثلاثين عاما، وكان العالم الإسلامي ينتظر - للتخلص من هذه الأزمة - روادا عظاما ينظرون لإمكانية الإفلات من أسر النظام البنكي الغربي الربوي، ويثبتون صلاحية الأدوات الفقهية الإسلامية كبديل كفء. وينتظر مؤسسات تطبق هذا التنظيم وتثبته واقعا ملموسا، وقد تم هذا ولله وحده الحمد والشكر.
أما الفضل - بعد الله - فيرجع لحكومة المملكة العربية السعودية في فتح الآفاق المباركة، فبفضل إيمانها وشجاعتها حرصت عندما أصدرت نظام بنكها المركزي (مؤسسة النقد العربي السعودي) في عام ١٣٧٧ هـ على أن تضمن المادة الثانية منه النص على أنه (لا يجوز لمؤسسة النقد العربي السعودي دفع أو قبض فائدة وإنما يجوز لها فقط فرض رسوم لقاء الخدمات التي تؤديها للجمهور أو للحكومة وذلك لسد نفقات المؤسسة) ونصت المادة السادسة على أنه: " لا يجوز لمؤسسة النقد العربي السعودي القيام بأي عمل من الأعمال الآتية:
(١) مباشرة أي عمل يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية السمحاء فلا يجوز لها دفع أو قبض فائدة على الأعمال.
وهكذا رفعت المملكة الراية للمسيرة المباركة، وأعلنت بوضوح أن العمل على التحرر من النظام البنكي الربوي ليس ممكنا فحسب، بل هو واجب. ثم أتيح لها في فرصة أخرى أن تعزز هذه الريادة فعند صياغة نظام البنك الإسلامي للتنمية وضعت كل ثقلها في جانب تضمن نظام البنك نصوصا تقضي بأنه لا يجوز للبنك أن يتقاضى فوائد عن قروضه، وأن تتم معاملاته كلها وفق القواعد الشرعية.
وقد توالت الثمار، فمن ناحية التنظير وجدت أعمال فكرية تنتهج الموضوعية والأسلوب العلمي تشرح الحلول الفقهية الإسلامية وتثبت كفاءتها لأن يعتمد عليها اقتصاد نام وسليم.