للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يقفون مع الناس في عرفة، وإنما يقفون في المزدلفة لأنهم بزعمهم من أهل الحرم ولا يجوز لهم الخروج منه فرد الله عليهم ذلك، وأمر بالوقوف بعرفة لجميع الحجاج فقال سبحانه: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (١) فأعاد الله سبحانه الحج كما كان على ملة إبراهيم على يد محمد خاتم النبيين وعلى التوحيد الخالص وباللباس الساتر، والوقوف بالمشاعر، وأعلن صلى الله عليه وسلم للناس قبل أن يحج بقوله: «لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (٢)» عملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (٣) وبقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (٤) وهكذا يجب أن يكون البيت والحرم دائما وأبدا طاهرا مطهرا من الشرك والبدع؛ ليكون مباءة للتوحيد ومصدرا للعقيدة الصحيحة السليمة إلى سائر بقاع الأرض، فحج صلى الله عليه وسلم في العام العاشر للهجرة بعدما طهر الله بيته من أوزار الشرك وعادات الجاهلية، وبذلك تمت أركان الإسلام وأنزل الله عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٥) (الآية ٣ / المائدة).

أيها الإخوة: لقد أوجب الله الحج على الناس كافة وحكم بالكفر على من امتنع منه مع قدرته عليه فقال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (٦) لقد جعله الله أحد أركان الإسلام وخامس مبانيه العظام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (٧)» وقال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء


(١) سورة البقرة الآية ١٩٩
(٢) انظر تفسير ابن كثير جـ ٢ / ص ٣٤٦.
(٣) سورة التوبة الآية ٢٨
(٤) سورة الحج الآية ٢٦
(٥) سورة المائدة الآية ٣
(٦) سورة آل عمران الآية ٩٧
(٧) رواه مسلم.