للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأى عمر - رضي الله عنه - أن المفسدة تندفع بإلزامهم، فلما تبين له أن المفسدة لم تندفع بذلك وما زاد الأمر إلا شدة، أخبر أن الأولى كان عدوله إلى تحريم الثلاث الذي يدفع المفسدة من أصلها، واندفاع هذه المفسدة بما كان عليه الأمر في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وأول خلافة عمر - رضي الله عنهما - أولى من ذلك كله، ولا يندفع الشر والفساد بغيره ألبتة، اهـ. ولشيخ الإسلام ابن تيمية جواب عن فعل عمر - رضي الله عنه - وكذلك من وافقه من الصحابة - ترك ذكره هنا، وسيأتي كلامه في آخر البحث.

وأما القياس فقال ابن قدامة (١): ولأن النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الأملاك اهـ.

وقد أجاب ابن القيم عن هذا القياس فقال (٢): وقولكم إن المطلق ثلاثا قد جمع ما فسح له في تفريقه: هو إلى أن يكون حجة عليكم أقرب، فإنه إنما أذن له فيه وملكه متفرقا لا مجموعا؛ فإذا جمع ما أمر بتفريقه فقد تعدى حدود الله وخالف ما شرعه، ولهذا قال من قال من السلف: " رجل أخطأ السنة، فيرد إليها فهذا أحسن من كلامكم وأبين وأقرب إلى الشرع والمصلحة "، ثم هذا ينتقض عليكم بسائر ما ملكه الله تعالى العبد، وأذن فيه متفرقا، فأراد أن يجمعه، كرمي الجمار الذي إنما شرع له مفرقا، واللعان الذي شرع كذلك، وأيمان القسامة التي شرعت كذلك، ونظير قياسكم هذا أن له أن يؤخر الصلوات كلها ويصليها في وقت واحد؛ لأنه جمع ما أمر بتفريقه، على أن هذا قد فهمه كثير من العوام يؤخرون صلاة اليوم إلى الليل ويصلون الجميع في وقت واحد، ويحتجون بمثل هذه الحاجة بعينها، ولو سكتم عن نصرة المسألة بمثل ذلك لكان أقوى لها.

وقال القرطبي: (٣) وحجة الجمهور من جهة اللزوم من حيث النظر ظاهرة جدا: وهو أن المطلقة ثلاثا لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره، ولا فرق بين مجموعها ومفرقها لغة وشرعا، وما يتخيل من الفرق صوري ألغاه الشارع اتفاقا في النكاح والعتق والأقارير، فلو قال الولي: أنكحتك هؤلاء الثلاث في كلمة واحدة انعقد، كما لو قال أنكحتك هذه وهذه وهذه، وكذا في العتق والإقرار وغير ذلك من الأحكام، نقله عنه ابن حجر العسقلاني (٤).

ويرد عليه بأن (٥) من قال: أحلف بالله ثلاثا لا يعد حلفه إلا يمينا واحدة فليكن المطلق مثله، وتعقب باختلاف الصيغتين فإن المطلق ينشئ طلاق امرأته وقد جعل أمر طلاقها ثلاثا، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا فكأنه قال أنت طالق جميع الطلاق، وأما الحلف فلا أمد لعدد أيمانه، فافترقا اهـ.


(١) المغني ومعه الشرح الكبير ٨/ ٢٤٣.
(٢) إغاثة اللهفان ١/ ٣٠٦.
(٣) فتح الباري ٩/ ٣٦٥.
(٤) فتح الباري ٩/ ٣٦٥.
(٥) فتح الباري ٩/ ٣٦٥.