للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن إلى يومنا هذا.

فأفتى به حبر الأمة وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس، كما رواه حماد بن زيد، عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، إذ قال: أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة، وأفتى أيضا بالثلاث، أفتى بهذا وهذا، وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، حكاه عنهما ابن وضاح، وعن علي - كرم الله وجهه - وابن مسعود روايتان كما عن ابن عباس.

وأما التابعون فأفتى به عكرمة رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عنه، وأفتى به طاوس.

وأما أتباع التابعين فأفتى به محمد بن إسحاق، حكاه الإمام أحمد وغيره عنه، وأفتى به خلاس بن عمرو والحارث العكلي.

وأما أتباع تابعي التابعين فأفتى به داود بن علي وأكثر أصحابه، حكاه عنهم أبو العكلي وابن حزم وغيرهما.

وأفتى به بعض أصحاب مالك حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب قولا لبعض المالكية.

وأفتى به بعض الحنفية حكاه أبو بكر الرازي عن محمد بن مقاتل، وأفتى به بعض أصحاب أحمد، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه قال: وكان يفتي به أحيانا.

وأما الإمام أحمد نفسه فقد قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس «كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر واحدة (١)» بأي شيء تدفعه، قال: برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه، ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس أنها ثلاث، فقد صرح بأنه إنما ترك القول به لمخالفة رواية له.

وأصل مذهبه وقاعدته التي بنى عليها أن الحديث إذا صح لم يرده لمخالفة رواية، بل الأخذ عنده بما رواه كما فعل في رواية ابن عباس وفتواه في بيع الأمة، فأخذ بروايته أنه لا يكون طلاقا وترك رأيه، وعلى أصله يخرج له قول: أن الثلاث واحدة، فإنه إذا صرح بأنه إنما ترك الحديث لمخالفة الراوي، وصرح في عدة مواضع أن مخالفة الراوي لا توجب ترك الحديث. خرج له في المسألة قولان، وأصحابه يخرجون على مذهبه أقوالا دون ذلك بكثير. اهـ.

٧ - قال يوسف بن حسن بن عبد الرحمن بن عبد الهادي (٢): الفصل الرابع في أنه إنما يقع بالثلاث للفظ الواحد واحدة، وهذه رواية عن أحمد، روايتها باطلة، لكنها قول في المذهب حكاه الشيخ شمس الدين ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين، وذكره في الفروع، وقال: إنه اختيار شيخه، وهو اختياره بلا خلاف، وهو الذي إليه جنح الشيخ شمس الدين ابن القيم في كتبه " الهدى وأعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان "، وقواه جدنا جمال الدين الإمام، وقد صنف فيه مصنفات، وهو اختيار شيخه الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وحكاه


(١) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦).
(٢) سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث ضمن مجموعة عليه: ٨١.