للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأيدينا اليوم من السنة إلا أقل القليل. اهـ (١).

وقال الخطابي: يشبه أن يكون النهي متقدما وآخر الأمرين الإباحة. وقد قيل إنه إنما نهي أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به ويشتبه على القارئ، فأما أن يكون نفس الكتاب محظورا وتقييد العلم منهيا عنه فلا. . . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ وقال: ليبلغ الشاهد الغائب، فإذا لم يقيدوا ما يسمعونه منه تعذر التبليغ، ولم يؤمن ذهاب العلم، وأن يسقط أكثر الحديث، فلا يبلغ آخر القرون من الأمة، والنسيان من طبع أكثر البشر والحفظ غير مأمون عليه الغلط.

«ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل اشتكى إليه سوء الحفظ استعن بيمينك». . . وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبا في الصدقات والمعاقل والديات أو كتب عنه، فعملت بها الأمة، وتناقلها الرواة، ولم ينكرها أحد من علماء السلف والخلف، فدل ذلك على جواز كتابة الحديث والعلم. اهـ (٢).

وقال الخطيب البغدادي: " وقد ثبت أن كراهة من كتب الكتاب من الصدر الأول، إنما هي لئلا يضاهي بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، ونهى عن الكتب القديمة التي تتخذ، لأنه لا يعرف حقها من باطلها، وصحيحها من فاسدها، مع أن القرآن كفى منها، وصار مهيمنا عليها. ونهي عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدته لقلة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميزين بين الوحي وغيره، لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه من كلام الرحمن. . . وأمر الناس بحفظ السنن، إذ الإسناد قريب والعهد غير بعيد، ونهي عن الاتكال على الكتاب، لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب الحفظ حتى يكاد يبطل، وإذا عدم الكتاب قوى


(١) مختصر سنن أبي داود: ٢٤٥، ٢٤٦.
(٢) مختصر سنن أبي داود: ٢٤٦، ٢٤٧.