للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لذلك الحفظ الذي يصحب الإنسان في كل مكان. ولهذا قال سفيان الثوري:. . . بئس المستودع العلم القراطيس. . . . وكان سفيان يكتب، أفلا ترى أن سفيان ذم الاتكال على الكتاب وأمر بالحفظ، وكان مع ذلك يكتب احتياطا واستيثاقا. . . . قال الأوزاعي: كان هذا العلم شيئا شريفا، إذ كانوا يتلقونه ويتذاكرونه بينهم. . فلما صار إلى الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله. قلت إنما اتسع الناس في كتب العلم، وعولوا على تدوينه في الصحف بعد الكراهة لذلك، لأن الروايات انتشرت والأسانيد طالت، وأسماء الرجال وكناهم وأنسابهم كثرت وصار علم الحديث في هذا الزمان أثبت من علم الحافظ مع رخصة رسول صلى الله عليه وسلم لمن ضعف حفظه في الكتاب، وعمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين بذلك. . اهـ (١).

وقال الأبي: " كره كثير من السلف كتب العلم لهذا النهي - النهي عن كتابة الحديث - وأجازه الأكثر، ثم وقع الإجماع على جوازه. . . والحديث محمول عند بعضهم على كتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة خوف أن يختلط به ويشتبه على القارئ، ويحتمل أن النهي منسوخ " (٢).

وجاء في شرح النووي أيضا ما يلي: " كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف " (٣).

يتضح لنا مما سبق أن النهي عن كتابة السنة كان لأسباب وجيهة ومقبولة، منها الحيلولة دون خلط القرآن بالسنة، والدليل على ذلك زوال هذا النهي عندما أمن المسلمون الوقوع في مثل ذلك الخلط، ومنها أن النهي كان لترويض المسلمين على مذاكرة الحديث النبوي وتعهده بالحفظ وعدم إهمال السنة اعتمادا


(١) تقييد العلم: ٥٧ - ٦٥.
(٢) صحيح مسلم بشرح الأبي والسنوسي: ٣٠٥.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨/ ١٢٩.