للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجمهور يقولون: ثبوت الرجعة وإن كان حقا له، فلها عليه حقوق الزوجية فلا يملك إسقاطها إلا بمخالصة أو باستيفاء العدد كما دل عليه القرآن.

الوجه الثالث: أنه قال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (١)، فإذا طلقها ثلاثا جملة واحدة فقد تعدى حدود الله فيكون ظالما.

الوجه الرابع: أنه سبحانه قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (٢)، وقد فهم أعلم الأمة بالقرآن - وهم الصحابة - أن الأمر ههنا هو الرجعة، قالوا: وأي أمر يحدث بعد الثلاث.

الوجه الخامس: قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٣)، فهذا حكم كل طلاق شرعه الله، إلا أن يسبق بطلقتين قبله، وقد احتج ابن عباس على تحريم جمع الثلاث بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٤) كما تقدم - قصده - رحمه الله - الأثر الذي أشرنا إليه سابقا - وهذا حق؛ فإن الآية إذا دلت على منع إرداف الطلاق الطلاق في طهر أو أطهار قبل رجعة أو عقد كما تقدم لأنه يكوم مطلقا في غير قبل العدة فلأن تدل على تحريم الجمع أولى وأحرى.

ومضى - رحمه الله - إلى أن قال: فهذه الوجوه ونحوها مما بين الجمهور أن جمع الثلاث غير مشروع هي بعينها تبين عدم الوقوع، وأنه إنما يقع المشروع وحده، وهي الواحدة، اهـ. . وقد سبقت مناقشة هذا الدليل في المسألة الأولى.

وأما السنة: فقد استدلوا بالأدلة الآتية:

الدليل الأول: روى مسلم في صحيحه من طريق ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر - رضي الله عنه - إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم (٥)».

وفي صحيحه أيضا عن طاوس: «أن أبا الصهباء قال لابن عباس " هات من هناتك ألم يكن الطلاق


(١) سورة الطلاق الآية ١
(٢) سورة الطلاق الآية ١
(٣) سورة الطلاق الآية ٢
(٤) سورة الطلاق الآية ١
(٥) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٩).