أ- منها إجماع الصحابة على جمع القرآن وتدوينه في نسخة واحدة، حفظا للقرآن من أن يذهب بذهاب القراء، وهذا وإن كان في بادئ الأمر أمرا جديدا وعملا محدثا حيث إنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه واجب؛ لاتفاقه مع روح الشريعة ومقاصدها، فكذا إلزام القضاة أن يحكموا بالقول الراجح من أقوال الفقهاء، فإنه وإن كان يبدو أمرا محدثا إلا أنه لا يخالف كتابا ولا سنة، بل هو مقتضى المصلحة؛ لما فيه من دفع الريبة والقضاء على الاضطراب والتناقض في الأحكام فكان واجبا.
ونوقش بأن القرآن كان مكتوبا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والأمة مأمورة بحفظ الدين وإبلاغه بالنصوص المتواترة، ولم يزد الصحابة على أن جمعوا ما كان مفرقا عملا بمقصد ضروري من مقاصد الشريعة وهو وجوب حفظ الدين وإبلاغه بخلاف إلزام القضاة بالحكم الراجح من أقوال الفقهاء فإنه مخالف لمقتضى النصوص ولما جرى عليه العمل في القرون التي شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير.
ونوقش هذا بأمور:
٢ - ومنها جمع عثمان رضي الله عنه الأمة على حرف واحد من الحروف السبعة التي بها نزل القرآن، وقصر الناس على القراءة بهذا الحرف، وتحريقه المصاحف الأخرى التي تخالف مصحف الإمام. وقد كتب من هذا المصحف نسخا وأرسل بها إلى أمهات البلاد الإسلامية، واستمرت القراءة لهذا اليوم. فكذا إلزام القضاة بالقول الراجح من أقوال الفقهاء بل هو أولى بأن أقوال الفقهاء شرع مؤول يحتمل كل منها الخطأ أو الصواب، والقراءات شرع منزل كلها حق لا يحتمل الخطأ، فكان الإلزام واجبا رعاية للمصلحة.
ونوقش هذا بأمور:
الأول: أن عثمان ومن وافقه من الصحابة استندوا إلى مصلحة شهدت لها أصول الشريعة، فإن في قصره على حرف واحد حفظا للدين بحفظ أصله- وهو القرآن- من الاختلاف فيه، وحفظا للنفوس، وبيانه أن حذيفة أخبره بان الصحابة اختلفوا في القراءة اختلافا تخشى منه الفتنة ووقوع القتال بينهم، وفي اختلافهم واقتتالهم ضياع للدين