ونوقش أولا بأن في سند هذا الأثر مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، وثانيا بأن قضاء شريح بقول معاوية يحتمل أن يكون من باب الخبر، بدليل أنه كان يقول بعد قضائه: هذا قضاء أمير المؤمنين.
٤ - ومنها: كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في شئون القضاء، وفيه:"اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك" فأمره عمر أن يحكم بالقياس وأن يجتهد في ذلك، وكلاهما مجتهد، وقد يكون رأي أبي موسى في أصل العمل بالقياس مخالفا لرأي عمر رضي الله عنهما، ففي الأثر تقييد الإمام لقاضيه المجتهد برأيه حيث أمره أن يقيس الأمر بما يشبهه، ويحكم بمقتضاه، فدل على جواز إلزام القضاة - ولو كانوا مجتهدين - برأي معين. وقد يناقش بما ذكره ابن حزم في الجزء السابع من كتاب الأحكام من أن هذا الحديث روي من - طريقتين: الأولى فيها عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه، قال ابن حزم: عبد الملك متروك الحديث ساقط بلا خلاف وأبوه مجهول. وذكر أن في الطريق الثانية أربعة مجهولين وأنها منقطعة. وقد ناقشه ابن القيم في ذلك في كتاب إعلام الموقعين، وقد يناقش أيضا بأن هذا من باب إجابة الإمام لمن استرشده من أمرائه وعماله والنصيحة والتوجيه له في القيام بعمله، ثم هو مجتهد فيما يحكم به قاض بمقتضى نظره، وليس من باب تقييد القاضي وإلزامه أن يحكم بقول معين وإن كان مجتهدا، لقيام الدليل على أن كل مجتهد يجب عليه العمل باجتهاده.
٥ - وفي معنى ما تقدم من الآثار تدوين السنة وسائر العلوم العربية والدينية وإنشاء المعاهد والمدارس والجامعات العلمية والمصانع والمصحات ودور العجزة والأيتام، وتدوين الدواوين ونحوها مما يدخل في عموم تصرفات ولاة الأمور، رعاية لمصلحة الأمة في دينها ودنياها، وحفظا لحقوقها العامة والخاصة، وسيأتي إن شاء الله بيان مدى تصرف إمام المسلمين، وبيان ما إذا كان يدخل فيه إلزام القضاة أن يحكموا بقول أو مذهب معين أو لا يدخل في ذلك.