للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا جواب ابن سريج كما قاله (١). الخطابي والمنذري (٢).

وقال ابن حجر (٣): هذا الجواب ارتضاه القرطبي وقواه بقول عمر: " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة "، وكذا قال النووي: إنه أصح الأجوبة.

وقد أجاب ابن القيم عن ذلك فقال (٤): وأما حملكم الحديث على قول المطلق: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ومقصوده التأكيد بما بعد الأول فسياق الحديث من أوله إلى آخره، يرده، فإن هذا الذي أولتم الحديث عليه لا يتغير بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يختلف على عهده وعهد خلفائه، وهلم جرا. . . آخر الدهر، ومن ينويه في قصد التأكيد لا يفرق بين بر وفاجر، وصادق وكاذب، بل يرده إلى نيته، وكذلك من لا يقبله في الحكم لا يقبله مطلقا برا كان أو فاجرا.

وأيضا فإن قوله: " إن الناس قد استعجلوا وتتابعوا في شيء كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم "، إخبار من عمر بأن الناس قد استعجلوا ما جعلهم الله في فسحة منه وشرعه متراخيا بعضه عن بعض رحمة بهم ورفقا وأناة لهم؛ لئلا يندم مطلق فيذهب حبيبه من يده من أول وهلة فيعز عليه تداركه؛ فجعل له أناة ومهلة يستعتبه فيها ويرضيه، ويزول ما أحدثه الغضب الداعي إلى الفراق ويراجع كل منهما الذي عليه بالمعروف، فاستعجلوا فيما جعل لهم فيه أناة ومهلة وأوقعوه بفم واحد، فرأى عمر أن يلزمهم ما التزموا عقوبة لهم فإذا علم المطلق أن زوجته وسكنه تحرم عليه من أول مرة بجمعه الثلاث كف عنها ورجع إلى الطلاق المشروع المأذون فيه، وكان هذا من تأديب عمر لرعيته لما أكثروا من الطلاق الثلاث. . هذا وجه الحديث الذي لا وجه له غيره فأين هذا من تأويلكم المستنكر الذي لا توافقه ألفاظ الحديث بلا تنبو عنه وتنافره.

ويمكن أن يجاب عن جواب ابن القيم بما قاله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي قال (٥): وللجمهور عن حديث ابن عباس هذا عدة أجوبة، الأول - أن الثلاث المذكورة فيها التي كانت تجعل واحدة ليس في شيء من روايات الحديث، التصريح بأنها دفعة بلفظ واحد، ولفظ كلامه الثلاث لا يلزمه منه لغة ولا عقلا ولا شرعا أن تكون بلفظ واحد، فمن قال لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاث مرات في وقت واحد فطلاقه هذا طلاق الثلاث؛ لأنه صريح بالطلاق فيه ثلاث مرات، وإذا قيل لمن جزم بأن المراد في الحديث إيقاع الثلاث بكلمة واحدة من أين أخذت كونها بكلمة واحدة، فهل في لفظ من ألفاظ الحديث أنها بكلمة واحدة؟ وهل يمنع إطلاق الطلاق على الطلاق بكلمة متعددة؟

فإن قال: لا يقال له طلاق الثلاث إلا إذا كان بكلمة واحدة، فلاشك في أن دعواه هذه غير صحيحة،


(١) معالم السنن ٣/ ٢٧
(٢) المختصر للمنذري ٣/ ١١٢٦.
(٣) الفتح ٩/ ٢٩٨.
(٤) زاد المعاد ٤/ ١١٨، ١١٩.
(٥) أضواء البيان: ١٨٠ - ١٨٣.