للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنه - عليه الصلاة والسلام - علم بذلك فأقره، ولا حجة إلا فيما صح أنه - عليه الصلاة والسلام - قاله أو فعله أو علمه فلم ينكره، وإنما يلزم هذا الخبر من قال في قول أبي سعيد الخدري «كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا من كذا وأما نحن فلا (١)»، انتهى كلام ابن حزم.

وقد أجاب ابن القيم عن ذلك فقال (٢): سبحانك هذا بهتان عظيم أن يستمر هذا الجعل الحرام المتضمن لتغيير شرع الله ودينه وإباحة الفرج لمن هو عليه حرام وتحريمه على من هو عليه حلال على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه خير الخلق، وهم يفعلونه ولا يعلمونه ولا يعلمه هو، والوحي ينزل عليه وهو يقرهم عليه، فهب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكنه يعلمه، وأصحابه يعلمونه ويبدلون دينه وشرعه، والله يعلم ذلك ولا يوحيه إلى رسوله ولا يعلمه به، ثم يتوفى الله رسوله والأمر على ذلك؛ فيستمر هذا الضلال العظيم والخطأ المبين عندكم مدة خلافة الصديق كلها ويعمل به ولا يغيره إلى أن فارق الصديق الدنيا، واستمر الخطأ والضلال المركب صدرا من خلافة عمر حتى رأى بعد ذلك رأيه أن يلزم الناس بالصواب، فهل بالجهل بالصحابة وما كانوا عليه في عهد نبيهم وخلفائه أقبح من هذا؟ وتالله، لو كان جعل الثلاث واحدة خطأ محضا لكان أسهل من هذا الخطأ الذي ارتكبتموه، والتأويل الذي تأولتموه، ولو تركتم المسألة بهيئتها لكان أقوى لشأنها من هذه الأدلة والأجوبة.

وذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (٣): ضعف هذا الجواب لأن جماهير المحدثين والأصوليين على أن ما أسنده الصحابي إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - له حكم المرفوع، وإن لم يصرح بأنه بلغه - صلى الله عليه وسلم - وأقره.

الجواب الخامس: ما ذكره المجد قال: وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق؛ فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد، وثلاثا إذا قصد تكرير الإيقاع، فكان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغالب الفضيلة والاختيار، لم يظهر فيهم خب ولا خداع، وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أمورا ظهرت، وأحوالا تغيرت، وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها، وقد أشار إليه بقوله: " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة " انتهى كلام المجد.


(١) صحيح البخاري الزكاة (١٥٠٦)، صحيح مسلم الزكاة (٩٨٥)، سنن الترمذي الزكاة (٦٧٣)، سنن النسائي الزكاة (٢٥١٢)، سنن أبو داود الزكاة (١٦١٦)، سنن ابن ماجه الزكاة (١٨٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٩٨)، موطأ مالك الزكاة (٦٢٨)، سنن الدارمي الزكاة (١٦٦٤).
(٢) زاد المعاد ٤/ ١٢٠.
(٣) أضواء البيان ١/ ١٩٦.