للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحميد بن رافع، عن عطاء أن رجلا قال لابن عباس: طلقت امرأتي مائة، فقال: تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين، وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن القاضي قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا محمد بن إسحاق أنا حسين بن محمد، نا جرير بن حازم، عن أيوب عن عمر بن دينار " أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال: إنما يكفيك رأس الجوزاء ".

وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا الحسن بن علي بن عفان، نا ابن نمير عن الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس قال: أتاني رجل فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال: " إن عمك عصى الله فأندمه الله، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال: أفلا يحللها له رجل؟ فقال: من يخادع الله يخدعه ".

أخبرنا أبو أحمد المهرجاني، أنا أبو بكر بن جعفر المزكي، نا محمد بن إبراهيم البوشنجي، نا ابن بكير، نا مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس بن البكير أنه قال: " طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس عن ذلك فقالا له: لا نرى أن تنكحها حتى تزوج زوجا غيرك، قال: فإنما كان طلاق إياها واحدة فقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ".

فهذه رواية سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وعكرمة وعمرو بن دينار ومالك بن الحارث ومحمد بن إياس بن البكير، وروية عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري كلهم عن ابن عباس، أنه أجاز الطلاق بالثلاث وأمضاهن. . اهـ. كلام البيهقي - رحمه الله تعالى -.

وقد أجاب ابن القيم عن ذلك فقال: (١). " لا يترك الحديث الصحيح المعصوم لمخالفة راويه؛ فإن مخالفته ليست معصومة، وقد قدم الشافعي رواية ابن عباس في شأن بريرة على فتواه التي تخالفها في كون بيع الأمة طلاقها، وأخذ هو وأحمد وغيرهما بحديث أبي هريرة: «من استقاء فعليه القضاء (٢)»، وقد خالفه أبو هريرة وأفتى بأنه لا قضاء عليه - وذكر جملة أمثلة نسبها إلى الحنابلة والحنفية والمالكية والشافعية إلى أن قال - رحمه الله -: والذي ندين الله به ولا يسعنا غيره وهو القصد في هذا الباب أن الحديث إذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائنا من كان لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو لا يحضره وقت الفتيا أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا، أو يقوم في ظنه ما يعارضه، ولا يكون معارضا في نفسه الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه، ولو قدر انتفاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما ولم توجب مخالفته؛ لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له


(١) أعلام الموقعين ٣/ ٣١ وما بعدها
(٢) موطأ مالك الصيام (٦٧٩).