للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا، أو قعد. . فالقاعد عليه إذا استعين أن يعين، وإذا استغيث أن يغيث، وإذا استنفر أن ينفر، وإن لم يحتج إليه قعد، قلت: - والكلام لابن كثير - ولهذا ثبت في الصحيح: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية (١)» وقال عليه السلام يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا (٢)» (٣).

ومن دلالة النصوص رأى الفقهاء رحمهم الله: أن الجهاد فرض كفاية، وفرض الكفاية: هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن تركوه جميعا أثموا، ما لم يحضر العدو، ويستنفرهم الإمام فإنه يتعين حينئذ على القادرين جميعا، ليكون في حقهم فرض عين (٤).

وفرض العين هو المتعين على كل واحد الاستجابة والامتثال بعينه ما دام قادرا.

ولشدة المشركين على الدعوة، وأذاهم لكل من دخل في دين الله في أول ظهور الإسلام، ولم يسلم من كيدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بان في سيرته العطرة طوال فترة مكثه في مكة، وهي ثلاثة عشر عاما قبل أن يهاجر، فقد كان الجهاد في هذه الفترة ينصب على مجاهدة النفس، وحثها على الصبر في الأذى، والتحمل في سبيل المعتقد، حتى لا تقبل الدنية في دين الله، ولا تتزحزح عن معتقد رضيت به، وذاقت حلاوته الباطنية: وجدانيا في القلب، وإحساسا بالأثر.


(١) صحيح مسلم الإمارة (١٩١٠)، سنن النسائي الجهاد (٣٠٩٧)، سنن أبو داود الجهاد (٢٥٠٢).
(٢) صحيح البخاري الحج (١٨٣٤)، صحيح مسلم الحج (١٣٥٣)، سنن الترمذي السير (١٥٩٠)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٧٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٢٦)، سنن الدارمي السير (٢٥١٢).
(٣) تفسير ابن كثير ١: ٢٥٢.
(٤) كشاف القناع ٣: ٢٨.