للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإدراك منزلة الجهاد تبرز من الحث عليه، والترغيب فيه، والطواعية في التنفيذ والعمل، سواء في كتاب الله بالدعوة للقتال والحماسة في ذلك، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالاستجابة للنفير، وعدم التولي عند الزحف، والثبات في المعركة مهما تكاثر الأعداء.

والإدراك العميق للدلالة الشرعية للجهاد، مما يجعل القلوب تتعلق به، والنفوس والأموال ترتبط به، والمشورة تبذل رخيصة في ساحاته. ولذا عده الفقهاء رحمهم الله أفضل العبادات البدنية.

قال الإمام أحمد: " لا أعلم شيئا بعد الفرائض أفضل من الجهاد ". وقال غيره: " اتفق العلماء، فيما نعلم، على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد " (١).

ويعضد هذا القول ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها (٢)».

والإسلام لم تبرز مهابته ولم يخافه أعداؤه ولم يكن للمسلمين شوكة إلا بعدما فرض الله الجهاد على أبنائه؛ ليقسروا العرب عليه أولا بآية مدنية من سورة البقرة، حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالجهاد بعدما نزلت هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (٣) فكانت كراهية الموت في القتال مرتبطة بالمكاره التي حفت بها الجنة.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام، وقال


(١) حاشية الروض لابن قاسم ٤: ٢٥٥.
(٢) جامع الأصول لابن الأثير ١٠: ٥٠٤، وحديث أنس ٩: ٤٧١.
(٣) سورة البقرة الآية ٢١٦