للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كغيره من المعاني التي ارتسمت في مخيلة المسلمين، بما تعنيه من مفاهيم جديدة جاءت مع شريعة الإسلام: كالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها، مما تدل عليه من أوامر ونواه وعبادات، فإن هذا الجهاد يعني عبادة بدنية مخصوصة لها وضعها الخاص، وجزاؤها الوفير، الذي أبانه منبع التشريع في الإسلام: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وما ذلك إلا أن مكانة الجهاد في شريعة الإسلام عالية المنزلة، رفيعة الدرجة عند الله، إذ بالجهاد تقوى النفوس، وتشتد العزائم، وبنتيجة الجهاد ترسخ مكانة الأمة الإسلامية، وتقوى ركائز الإيمان، وينتشر دين الله في الملأ.

والجهاد وسيلة لإخافة الأعداء، وتقوية الجانب الإسلامي، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمن الأمور الخمسة التي أعطي إياها، ولم تكن لأحد من الأنبياء قبله، فقال: «نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي (١)» فقد خافت الروم في الشام وفارس في أرض السواد، والأحباش في اليمن، وكل منها يبعد شهرا في المسير عن المدينة، من زحف جيوش الإسلام إليهم.

ومن هذه المكانة عده بعض الفقهاء ركنا سادسا من أركان الإسلام، الذي لا يقوم الدين إلا عليها، كالعمد التي يرتكز عليها البيت، معللين ذلك بأن الجهاد يأتي بعد الأركان الخمسة في الترتيب، وأهمية الحث والترغيب. فقد روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق (٢)».

وكثير من شراح هذا الحديث، يرون أن ترك الجهاد أحد شعب النفاق.


(١) ضمن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وانظر جامع الأصول ٨: ٥٢٨.
(٢) انظر جامع الأصول ٢: ٥٦٢.