للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين، الرافضين للدعوة الإسلامية.

وقد ورد الصبر في كتاب الله أكثر من مائة مرة، والمتابع لكل آية يلاحظ أن معظمهن مكية النزول، وهذا فيه دلالة على مكانة الصبر، وأثره في تهذيب النفوس وترويضها على التحمل، كما قرن الصبر في الآيات المدنية بآيات الجهاد لارتباطه به في تبيان العلاج النفسي، حيث لم تستطع المؤثرات الحديثة أن ترقى إلى مستوى العلاج الإسلامي عند الملمات، وخاصة في الجهاد الذي يعاين فيه المرء الموت ماثلا، فيهون الأمر على المسلم لتقوى معنويته، ويشتد في طلب عدوه برباطة جأش وثبات وجدان. وهذا من أحد أسرار تغلب الجيوش الإسلامية مع قلة عددها، على أعدائهم الذين يفوقونهم عددا وعدة، يقول سبحانه: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (١) وقد قال أحد قادة الرومان: إننا لن نتغلب على المسلمين؛ لأنهم يحبون الموت كما نحب الحياة.

كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب المثل لأصحابه بالتحمل، ويقوي النفوس بالثبات في المعارك القتالية وفي ميدان الدعوة إلى الله، وسلاح ذلك قوة القلوب في التعلق بالله، مع حسن التوكل عليه والاستعانة بالدعاء. وذكر الله في كل موقف، لأن بذكر الله تطمئن القلوب.

وحتى يرسخ ما يعنيه الجهاد عند المسلم، وما يتركه من أثر، فإنه في حاجة إلى إدراك: أن الجهاد في سبيل الله وفق شريعة الإسلام، قد مر بمراحل كان لها أثر عميق في توطين النفوس عليه وتحريك الرغبة بالتهيؤ والترغيب إلى هذا العمل، لأن حسن الاستجابة لا تتم إلا بتمهيد إعلامي وتهيئة نفسية.

وقد بدأ هذا في مكة لتسلية المسلمين الأوائل عندما جوبهت الدعوة المحمدية بصدود المشركين وعنجهيتهم نحو الإسلام ومن دخل فيه، فدعيت هذه الفئة


(١) سورة الأنفال الآية ٦٦