للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنة إلى الصبر وجميل التحمل وإلى كظم الغيظ ومغالبة نوازع النفس.

والمسلمون في مكة ذلك الوقت لم يكن لهم شوكة، ولا قوة على المجابهة والمواجهة، كما أن مكة لم تكن لهم بقاعدة ينطلقون منها، فكل واحد في هذا المجتمع الإسلامي الصغير في حاجة إلى من يحميه ويسند ظهره حتى أن بعضهم استجار ببعض مشركي مكة، لأنهم يخفون إسلامهم ويتوارون بعباداتهم خوفا من ملاحقة عتاة قريش، وإيذائهم، ولكل منهم قصة أو أكثر لأنهم فئة قليلة مستضعفة في مجتمع متعجرف متجبر.

وقد نال جبابرة قريش، وعتاة المشركين من المسلمين الأوائل كثيرا: سبا باللسان، وتطاولا باليد، وتفننا بالإيذاء، وقد حفلت كتب التاريخ بصور عديدة من ذلك، كما حصل لبلال رضي الله عنه (١)، ولعمار بن ياسر وأسرته رضي الله عنهم، فكان رسول الله يمر بهم، وهم يعذبون ولا يتزحزحون عن دينهم، فيقول لهم مواسيا ومؤازرا: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة (٢)».

وتعتبر والدته سمية رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام، حيث طعنها أبو جهل - فرعون هذه الأمة - بحربة في موطن حساس من جسدها، وهي تعذب فأسلمت بعدها الروح إلى بارئها (٣).

أما الدلالة اللغوية لمعنى الجهاد، فتعني المبالغة واستفراغ ما في الوسع وبذل الطاقة من قول أو فعل. والمراد بالنية إخلاص العمل لله تعالى. وقال الراغب (٤) في حقيقة الجهاد: استفراغ الوسع وبذل الجهد فيما لا يرتضي، وهو ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس. وتدخل الثلاثة في قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (٥).


(١) راجع بعضا مما ناله رضي الله عنه في أسد الغابة لابن الأثير ١: ٢٤٣.
(٢) انظر فضائل عمار في جامع الأصول ٩: ٤١.
(٣) راجع قصة إسلام عمار وآله في أسد الغابة ٤: ١٣٠ وعما حصل لسمية نفس المصدر ٧: ١٥٢.
(٤) تاج العروس ٢: ٣٣٠.
(٥) سورة الحج الآية ٧٨