للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للدماء، كما يفعل أصحاب الأهواء، وإنما انطلاقا من الاستجابة، وتطلعا إلى الغاية التي يهدف إليها القتال في سبيل الله وفق النص الشرعي، وأغلاها في حياة المجاهد المحتسب: الموت تحت ظلال السيوف في سبيل الله ومن أجل نشر دينه، حيث أخذ الفقهاء رحمهم الله: حكما من هذا المفهوم الرفيع، الذي انتهجه رسول الله في مكانة الشهيد عموما: بأنه لا يغسل ولا يكفن، بل يصلى عليه، ويدفن في مكانه وفي ثيابه التي قتل فيها بدمه، ليكون شاهدا له عند ربه (١). أما شهيد المعركة فالأصح أنه لا يصلى عليه، فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: " أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ " فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: " أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة " وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم (٢)».

واهتمام علماء الإسلام بهذه الشعيرة، تعلقا بالقلب، وبذلا بالمال، ودعوة باللسان، ثم مبادرة بالعمل، ومن لم يستطع خلف غيره في أهله بخير: جعل سير حياتهم تحفل بالأدوار الإيجابية، مقرونة بالنية الخالصة، التي هي شرط أساسي في الجهاد، مما يبرهن على الصدق والمحبة كل بحسب مكانه، كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن أناس من أمته يحظون بأجر المجاهدين في مثل هذا القول، قال أنس بن مالك: «رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن قوما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر (٣)».

وكما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما خليفتان راشدان أمرنا رسول الله بالأخذ بسنتهما، يحرص كل منها أن يودع الجيش الغازي إلى أطراف المدينة، وهو يمشي على قدميه، رغبة في تغبير قدميه في سبيل الله، ليزود القائد بما يجب أن يعمله من توصيات ترفع من مكانة الجيش الإسلامي في عيون


(١) انظر مصنف عبد الرازق ٣: ٥٤٠ - ٥٤٨.
(٢) رواه البخاري في الجنائز باب الصلاة على الشهيد
(٣) رواه البخاري، وانظر جامع الأصول ٢: ٦٢٢.