للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأخذ ويذر.

أما أن يأتي من يدعو للجهاد بلسانه، وهو مخالف للإسلام في سلوكه ومبدئه، ظالم لعباد الله، متحمل دماءهم وأموالهم في عنقه، فهذا ادعاء باطل، ولا يعتد بقوله، لأن الجهاد ليس منحة توزع، وجزاؤه ليس بيد الإنسان يعطيه من يشاء ويحرمه ممن يشاء، ومن يؤيد شيئا يخالف شرع الله، فهو من باب إعانة الظالم على ظلمه، والقول على الله بغير علم.

وما جيء الإسلام إلا من المنتسبين إليه، المتجرئين على حرماته تضليلا وادعاء، وما خشي صلى الله عليه وسلم على أمته بمثل ما خشي من العلماء المضللين، الذين يفتون بغير علم. وقديما كان للمنافقين مقالة شبيهة بهذه {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (١) ويعنون بالأعز هم، والأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نظرة مقلوبة، ومفهوم خاطئ. فالإسلام بشرائعه ليس بمقاييس البشر اعتقادا وجزاء، ولكنه يؤخذ من المقاييس التشريعية التي تحدد الهدف والغاية: بقول حق، ووعد صادق، هو من الله عز وجل، أو تبليغ من رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، والحق لا يتبع الهوى، ولا يخضع للرغبات البشرية: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (٢).

أما دور المرأة في الجهاد، فهي وإن عذرت منه بدنيا، حيث كانت كثير من نساء الإسلام يرغبن في الأجر الذي أعده الله للمجاهدين، ويرغبن أن يكون لهن شرف المشاركة في نشر دين الله، فإنها قد أعطيت مداخل أخرى، بجهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد المشورة، والمجاهدة في أداء العبادات كما أمر الله. وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جهاد المرأة، لترسخ مفهوم الدور الجهادي للمرأة، «فقالت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم عليهن جهاد لا قتال


(١) سورة المنافقون الآية ٨
(٢) سورة المؤمنون الآية ٧١