للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في أكثر من موضع، والحج والعمرة يعتبران جهادا لعظم نفعهما. وإن من يتابع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة الكرام في توضيح مكانة الجهاد، وأثره على الفرد جزاء وتوجيها، ومكانة عند الله، ليدرك المفهوم الحقيقي الذي أولاه الإسلام لهذه الشعيرة، والأجر العظيم الذي يحظى به المجاهد الذي يبذل أغلى ما يملك وهو روحه، رخيصة في سبيل الله.

والسنة هي التي توضح الترغيبات الكثيرة والمكانة العالية للجهاد في كتاب الله الكريم. . والمرابطة في الثغور لحماية جنبات دولة الإسلام من غدر الأعداء، لا تقل أهمية عن فضل الجهاد في سبيل الله، لأن المرابط قد حبس نفسه دفاعا من أجل دينه، احتسابا لما أعد الله، وحمية على دين الإسلام من أن يؤتى على غرة، روى عبد الرزاق أن سلمان الفارسي مر بشرحبيل بن السمط وهو مرابط على قلعة بأرض فارس، فقال له سلمان: ألا أحدثك حديثا لعله أن يكون عونا لك على ما أنت فيه؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا في سبيل الله أجير من عذاب القبر، ونمى له صالح عمله إلى يوم القيامة (١)» أخرجه مسلم. فالغبار في سبيل الله ودخان جهنم لا يجتمعان في منخر عبد أبدا.

وقد أوضح خالد بن معدان قولا لأبي أمامة وجبير بن نفير: بأنه يأتي على الناس زمان أفضل الجهاد الرباط، قيل: وما ذلك؟ فقال: إذا انخفض الغزو، وكثرت الغرائم، واستحلت المغانم، فأفضل الجهاد يومئذ الرباط (٢).

ومكانة الجهاد لا تقف على المجاهد وحده، ومن يقتل في المعركة شهيدا، بل يتعدى الفضل إلى من يشارك في الجهاد بالبذل من ماله، والتوضيح من لسانه، والفتوى من علمه، والسلاح بصناعته وتجهيزه ورعاية أسرة المجاهد،


(١) رواه عبد الرزاق في مصنفه، انظر مصنف عبد الرزاق ٥: ٢٨١.
(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٥: ٣٢٨.