إنها شريعة الغاب مغلفة بأغلفة رقيقة من القانون والمدنية أفرزتها التقنية المعاصرة في جملة ما أفرزته.
٣ - عند الحوار يجب أن يتقرر النموذج الأمثل الذي ينبغي أن يحتذى ليكون مرجعا في التمثيل وهدفا يسعى إلى بلوغه.
وحيث إن هذه الأسئلة صدرت من مؤسسة تنصيرية اسمها " الآباء البيض " هل تريد أن تكون المبادئ النصرانية هي الأنموذج المحتذى؟ لا أظن ذلك، لأن الجميع من النصارى وغيرهم يعلم واقع النصرانية من خلال كتابها المقدس، ومن خلال ممارسات البابوات والرهبان والراهبات في الماضي والحاضر. وفي ثنايا إجاباتي هذه قد ألمح إلى نموذج من الانحرافات النصرانية والكنسية.
وإن كانت اليهودية هي الأنموذج، فحقيقة النصرانية وبابواتها وأحبارها ومراجعها يرون أن اليهودية محرفة وغير صالحة.
أما إذا كان الأنموذج هو الحضارة الغربية المعاصرة فما شأن البابوات وأتباعهم؟ وإن كانوا معجبين بها وعندهم قناعة بها ليعرضوها على الناس ويدعوهم إليها، فهذه تبعية مخجلة لأن هذه الحضارة - كما يعلم القاصي والداني - من أهم الأسباب المقررة في ازدهارها بعدها عن الكنيسة وبابواتها، وقد شردت هاربة هروبا لا رجوع بعده، إلا إذا أرادت هذه الحضارة أن تنتكس في رجعية القرون الوسطى كما يقولون.
أما الكاتب هنا فلا يرى نموذج هذه الحضارة صالحا ليكون المرجع المحتذى، إذ أن فيه انحرافا ظاهرا وبؤسا على البشرية يحيط العالم بسببه خوف وإرهاب وتوتر وقلق، يوشك أن ينتهي إلى تدمير حقيقي شامل يعم الحضارة وصناعها.
وفيه غير الانحراف مبادئ جوفاء من حقوق الإنسان، والمساواة لا واقع لها، وإن كان لها شيء من الواقعية فهو مختص بالرجل الأبيض، أما من عداه فليس إلا قانون الغاب أو قانون " الغاية تبرر الوسيلة ".
وبهذا يتقرر - مع الأسف - أنه ليس ثمة أرضية مشتركة مقنعة ننطلق