للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم تساهل في أول الأمر لقرب عهدهم من حل الخمر حتى إذا استقر التشريع ضرب وجلد وإن لم يوقت حدا. وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية بن أبي سفيان السابق من أن شارب الخمر يقتل في المرة الرابعة أو الخامسة وهو ما ذهب إليه بعض فقهاء الظاهرية والإمامية فهو منسوخ بما رواه عبد الرزاق في مصنفه (١) وغيره:

عن قبيصة بن ذؤيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه. . ثم إذا شرب الرابعة فاقتلوه، قال فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به وقد شرب فجلده ثم أتي به في الرابعة قد شرب فجلده فرفع القتل عن الناس وكانت رخصة (٢)».

ومال الخطابي (٣) إلى تأويل الحديث في الأمر بالقتل فقال: " قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما قصد به الردع والتحذير. ثم قال: ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة كان واجبا، ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل ". وقال ابن المنذر (٤): " كان العمل فيمن شرب الخمر أن يضرب وينكل به ثم نسخ بالأمر بجلده، فإن تكرر ذلك أربعا قتل ثم نسخ ذلك بالأخبار الثابتة وبإجماع أهل العلم إلا من شذ من لا يعد خلافه خلافا ". وبناء عليه فيمكن إرجاع الآراء الثاني والثالث والرابع والخامس إلى رأيين فقط:

الرأي الأول: " أن حد الشرب والسكر ثمانون جلدة وهذا هو ما يراه الفقهاء: مالك وأبو حنيفة والشافعي في رواية عنه وأحمد في رواية عنه والثوري والأوزاعي وابن المنذر " (٥) ويرى بعض الفقهاء أن حد الشرب والسكر


(١) جـ ٧/ ٧٨، ٧٩، ٨٠.
(٢) سنن النسائي الأشربة (٥٦٦٢)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٨٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٨٠)، سنن الدارمي الأشربة (٢١٠٥).
(٣) انظر: سنن أبي داود جـ ٤/ ٦٢٤ هامش " معالم السنن الخطابي ".
(٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني جـ ١٢/ ٨٠، ٨١.
(٥) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي المالكي ج ٢/ ٤٣٥.