إما أن يكون كالنهي عن متعة الفسخ، لكون ذلك كان مخصوصا بالصحابة وهو باطل؛ فإن هذا كان على عهد أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -؛ ولأنه لم يذكر ما يوجب اختصاص الصحابة بذلك، وبهذا أيضا تبطل دعوى من ظن ذلك منسوخا كنسخ متعة النساء، وإن قدر أن عمر رأى ذلك لازما فهو اجتهاد منه اجتهده في المنع من فسخ الحج لظنه أن ذلك كان خاصا.
وهذا قول مرجوح قد أنكره غير واحد من الصحابة، والحجة الثانية هي مع من أنكره، وهكذا الإلزام بالثلاث، من جعل قول عمر فيه شرعا لازما قيل له: فهذا اجتهاده قد نازعه فيه غيره من الصحابة، وإذا تنازعوا في شيء وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، والحجة مع من أنكر هذا القول المرجوح.
وإما أن يكون عمر جعل هذا عقوبة تفعل عند الحاجة، وهذا أشبه الأمرين بعمر، ثم العقوبة بذلك يدخلها الاجتهاد من " وجهين " من جهة أن العقوبة بذلك: هل تشرع؟ أم لا؟ فقد يرى الإمام أن يعاقب بنوع لا يرى العقوبة به غيره، كتحريق علي الزنادقة بالنار، وقد أنكره عليه ابن عباس، وجمهور الفقهاء مع ابن عباس، ومن جهة أن العقوبة إنما تكون لمن يستحقها فمن كان من " المتقين " استحق أن يجعل الله له فرجا ومخرجا، لم يستحق العقوبة، ومن لم يعلم أن جمع الثلاث محرم، فلما علم أن ذلك محرم تاب من ذلك اليوم أن لا يطلق إلا طلاقا سنيا فإنه من " المتقين "، فمثل هذا لا يتوجه إلزامه بالثلاث مجموعة بل يلزمه بواحدة منها، وهذه المسائل عظيمة وقد بسطنا الكلام عليها في موضع آخر من مجلدين، وإنما نبهنا عليها هنا تنبيها لطيفا.
والذي يحمل عليه أقوال الصحابة أحد أمرين: إما أنهم رأوا ذلك من باب التعزير الذي يجوز فعله بحسب العادة: كالزيادة على أربعين في الخمر، وإما لاختلاف اجتهادهم فرأوه لازما، وتارة غير لازم، وإما القول بكون لزوم الثلاث شرعا لازما، كسائر الشرائع، فهذا لا يقوم فيه دليل شرعي، وعلى هذا القول الراجح لهذا الموقع أن يلتزم طلقة واحدة ويراجع امرأته، ولا يلزمه شيء لكونها كانت حائضا، إذ كان ممن اتقى وتاب من البدعة.