للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (١) وما عداه يبقى على الأصل، على أنه لو أريد بقوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٢) تضعيف العدد دفعة، لمنع الزوج من إيقاع طلقة مفردة، وهذا باطل بإجماع (٣).

وأجيب أيضا بأن الفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان فلا يتصور فيه الجمع كآية الطلاق، وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة فيتصور فيه الجمع كما في آية {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (٤)، وآية {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (٥) ونحوهما.

ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (٦). الآية، وهذا إنما يكون فيما دون الثلاث، وهو يعم كل طلاق، لوقوعه في حيز الشرط، فعلم أن جمع الثلاث غير مشروع (٧).

ومن السنة حديث «تزوجوا ولا تطلقوا» إلخ - قيل نهى عن الطلاق لأمر ملازم له لا لعينه؛ لأنه بقي معتبرا شرعا في حق الحكم بعد النهي، والمراد - والله أعلم - الجمع بين طلقتين أو أكثر من طهر والطلاق في الحيض، ولكن هذا الحديث ضعيف فلا يشتغل بمناقشته (٨).

ومنها ما روى مخرمة بن بكير عن أبيه: قال سمعت محمود بن لبيد قال «أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاثا تطليقات جميعا فقال " فعلته لاعبا " ثم قال: " تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم " حتى قام رجل، فقال يا رسول الله، ألا أقتله (٩)»؟ وإسناده على شرط مسلم، ودلالة متنه على المنع ظاهرة، واعترض عليه أولا: بأن مخرمة لم يسمع من أبيه، وإنما هو كتاب، وعورض ذلك بقول من قال سمع من أبيه، ومعه زيادة علم وإثبات فيقدم، وعلى تقدير أنه لم يسمع من أبيه، وإنما رواه من كتابه، وكان كتاب أبيه عنده محفوظا مضبوطا، فقد انعقد الإجماع على قبول الكتاب والعمل به إذا صح عند رواية أنه من كتابه شيخه، بل الرواية من الكتاب المصون أوثق، فإن الحفظ يخون والنسخة الثابتة المحفوظة لا تخون، وقد أطال ابن القيم الكلام على توثيق مخرمة واعتبار الرواية من الكتاب، وصحة الاحتجاج بها (١٠).

واعترض ثانيا بأن محمود بن لبيد وإن كان صحابيا إلا أنه لم يثبت له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فروايته عنه مرسلة، وأجيب بأن مرسل الصحابي مقبول، فصح الاحتجاج بالحديث.


(١) سورة الأحزاب الآية ٣١
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) ص - من البحث.
(٤) سورة الأحزاب الآية ٣١
(٥) سورة التوبة الآية ١٠١
(٦) سورة البقرة الآية ٢٣٢
(٧) ص - من البحث.
(٨) ص - من البحث، ذكره السيوطي في الجامع الصغير وضعفه.
(٩) سنن النسائي الطلاق (٣٤٠١).
(١٠) ص - من البحث.